فضلا تابعوا هذه المعركة


هذه معركة لا طائرات فيها ولا تفجيرات، هي معركة قانونية أخلاقية، فيها الكثير من العبر التي تهم منطقتنا التي تعتقد أن الحرية مجرد انعتاق من القيود، وأن لا قوانين تؤطر الحرية بالنسبة للفرد، والمجتمع، والإعلام! المعركة هي معركة الأمير ويليام وزوجته كيت ميدلتون، دوقة كمبردج، بعد دعوة رفعها الأمير، ضد مجلة فرنسية قامت بانتهاك خصوصيتهما بنشر صور فاضحة للأميرة أثناء قضائها إجازة في مقر خاص بفرنسا، حيث أمرت محكمة فرنسية المجلة بضرورة إعادة كل الصور للأمير والأميرة، وفي ظرف 24 ساعة، وعدم إعادة نشرها، وهو الحكم الذي سيفتح بابا لملاحقات قانونية أخرى. وعدا عن أهمية حكم المحكمة الفرنسية فإن الدروس المستفادة من هذه القصة كثيرة؛ وأولها وأهمها أن الصحافة البريطانية قررت عدم نشر تلك الصور لأنه ليس في نشرها ما يخدم الصالح العام، وهذه زاوية قضائية بحتة في قوانين النشر البريطانية. فالزوجان في إجازة خاصة، وفي مقر خاص، مثلهما مثل أي زوجين، ولم يكونا في مكان عام، هي حالة خاصة جدا انتهكها مصور متطفل لكي يبيع الصور، فكيف يمكن القول بعد ذلك بأن المصور أراد خدمة الصالح العام؟

وما يهمنا في القصة، كعرب، هو أن المجتمعات الغربية الديمقراطية، والداعية للحريات، تقيم لنفسها مسطرة أخلاقية وقانونية. فالأمر ليس فوضى، والإعلام – وإن اعتبر سلطة – يجب ألا يساء استخدامه، لا للابتزاز، ولا التشهير، ولا خدمة منافع ضيقة لأفراد أو تجار. ورأينا في بريطانيا المعركة القضائية والسياسية ضد مؤسسة مردوخ الإعلامية، فالإعلام مثله مثل أي مؤسسة، أو سلطة، يخضع لمعايير وأخلاقيات وضوابط. وفي الغرب هناك مؤسسات اجتماعية ترسخ هذه المفاهيم، ولا تعاديها اعتباطا، أو مـجاراة للشارع كما يحدث في منطقتنا، خصوصا مع الفوضى التي تشهدها بعض وسائل إعلامنا.
والأسوأ بالطبع هو ما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي، «فيس بوك» و«تويتر»، حيث لا حسيب أو رقيب لدينا، وكل ذلك تحت اسم الحرية والإصلاح، وهو أمر غير صحيح، والغريب أن قوانين استخدام تلك الوسائل الموضوعة من قبل الشركات المالكة لها تعد أقسى من شروط وزارات الإعلام العربية، ولكن من يقرأ؟!

ما تشهده منطقتنا هو حالة من الفوضى والانهيار الأخلاقي، والاغتيال المعنوي الذي لا يقل سوءا عن الاغتيال الجسدي، ودون بينة، ولا أحد يدفع ثمنا لذلك. والأسوأ أنك تجد أكاديميين، وموظفين رسميين – وهذا يحدث بالسعودية كأسوأ مثال للأسف، وبعض الدول العربية – يكتبون بأسمائهم ويصدر عنهم ما يندى له الجبين من ألفاظ، وبث لخطاب الكراهية، دون عقاب. وذلك ليس من الحرية في شيء، فالقانون
البريطاني، مثلا، يعاقب حتى مشجع كرة قدم يسيء الألفاظ في «تويتر»، فكيف بالقضايا الأخرى فيحالتنا، خصوصا عندما نرى أكاديميا ألفاظه نابية، وصحافيا يصدر عنه أرذل القول، أو مستشارا قانونيا يبث خطاب كراهية يعاقب عليه القانون؟!

ولذا، فمن المهم متابعة المعركة القانونية الخاصة بالأمير وزوجته، عسى أن نتذكر أن الحرية مسؤولية، ولا بد من رادع قانوني، ولا بد من مسطرة أخلاقية لمجتمعاتنا، ولا توضع بأطر سياسية وإنما أخلاقية، وتشارك فيها المؤسسات ووسائل الإعلام نفسها، وذلك حماية للقيم والحقوق، وحماية للجميع.
  

السابق
فرنسا تدرس تسليح المعارضة السورية
التالي
الجيش الأمريكي.. يتدرب على مواجهة الزومبيز !!؟