زلة لسان إيرانية؟

ليس واضحا ولا مفهوما حتى الآن لماذا صرّح القائد الأعلى لـ«الحرس الثوري» الايراني الجنرال محمد علي جعفري، بأن مستشارين من «الحرس» متواجدون في لبنان وسوريا، ما اضطر طهران الى نفي هذا التصريح، أو الأصح «تدوير زواياه» الحادة في مرحلة دقيقة للغاية تشهدها المنطقة، مرة على لسان سفير الجمهورية الاسلامية الايرانية في لبنان غضنفر ركن أبادي، وأخرى على لسان المتحدث باسم الخارجية الايرانية رامين مهمانبرست.

هل كانت «زلة لسان» من المسؤول الايراني الكبير، أم ان الهدف هو توجيه رسائل «لمن يهمهم الأمر» في المنطقة، بحسب التحليلات التي توالت في اطار ردود الفعل على هذا الكلام الذي أحرج الحلفاء والاصدقاء في لبنان وسوريا وبعض الدول الكبرى؟ أم ان الجنرال جعفري يعتبر اعترافه الذي جاء ردا على سؤال في مؤتمر صحافي، من باب «تحصيل الحاصل»، ولا يستأهل هذه الضجة السياسية والاعلامية التي تعاملت مع هذا الموضوع على قاعدة «لا اله..»، فأصرت على التعاطي مع تصريح الجعفري من دون الاشارة الى النفي والتوضيح والتصحيح؟

في اي حال لا يمكن لأحد ان ينكر او يتجاهل النفوذ الايراني في المنطقة، بدءا من العراق، مرورا بسوريا وانتهاء بلبنان. هذه حقيقة لا تنكرها ايران ولا الحلفاء في هذه الدول. فمنذ قيام الثورة الاسلامية في العام 1979، لم يغب عن بال أحد ان الجمهورية الاسلامية تسعى الى تصدير ثورتها التي تفتخر بها الى الخارج، وقد وجدت لذلك مريدين في المنطقة وخارجها، لدرجة نشأ من خلال ذلك محوران كبيران أُطلق عليهما تعبير «الاعتدال والممانعة». وعلى ضفاف هذين المحورين دارت وتدور صراعات دامية منذ ثلاثة عقود، شهدت المنطقة خلالها حروبا ضارية بدأت بالحرب العراقية على ايران في عهد صدام حسين، مرورا بحروب اسرائيل على لبنان، وهي تشهد اليوم فصلا داميا في سوريا الحليف الاساسي لإيران.

وسط هذا الصراع لعبت الجمهورية الاسلامية دورا بارزا في دعم حلفائها في محور الممانعة بالمال والسلاح والخبرات، وكان من البديهي ان يكون «الحرس الثوري» الايراني، بما يملك من امكانات، في طليعة الوسائل الايرانية لترجمة هذا الدعم، ولا تختبئ ايران وراء اصابعها في هذا المجال، في وقت يمتلك خصومها المعلومات الكافية على هذا الصعيد. وبالتأكيد لم تتفاجأ الولايات المتحدة واسرائيل بالذات من تصريحات الجنرال جعفري، لكن هذا الاخير، على الرغم من ذلك، لم يكن مضطرا الى مثل هذه التصريحات التي قد تكون أحرجت الحلفاء في المرحلة الدقيقة الراهنة، وأسهمت في تزويد الخصوم بمادة دسمة لتأليب الرأي العام وزجه في آتون الفتنة المذهبية.

في كل الاحوال، سواء كانت تصريحات الجعفري «زلة لسان» او «رسالة» أو من باب «تحصيل الحاصل» او جرى تأويلها واستغلالها، فإن كل ذلك لا ينفي رغبة الجمهورية الاسلامية الايرانية ولا حقها كدولة كبرى في المنطقة، في تعزيز نفوذها، شأنها في ذلك شأن كل القوى والاساطيل الزاحفة من وراء البحار والساعية لتحقيق مصالحها على حساب شعوب المنطقة. فإيران لها مصالحها ولديها خيرات مهددة، ومن حقها حماية هذه المصالح والخيرات بالطرق التي تراها مناسبة، ما دامت سياسة القوة لا مبادئ العدالة هي التي تحكم العالم اليوم. يكفي ان ايران لم تغز دولا ولا اجتاحت اراضي ولا احتلت شعوبا كما فعل ويفعل الآخرون.
  

السابق
متى يصير اللبنانيّون.. لبنانييّن؟
التالي
ربط نزاع مع واشنطن