البابا والتمسك بالجذور

الثمانيني يجدِّد شباب السياسة اللبنانية والأفكار اللبنانية وروح الشباب اللبناني.
البابا بنديكتوس السادس عشر فعلَ في ثلاثة أيام في لبنان ما لم تفعله السياسة اللبنانية في ثلاثين عاماً.
استنهض الحيوية السياسية اللبنانية بمجرد أن أطل على الشباب اللبناني ليقول لهم:
أنتم المستقبل.

بعد الأيام البابوية في لبنان، ثمة مَن يتساءل:
ولماذا لا يقتدي السياسيون اللبنانيون بمضمون كلام البابا لجهة التوجُّه إلى الشباب؟
لماذا كلامهم دائماً في ما بينهم ولم يتوجهوا يوماً إلى الشباب؟
هل لنقص لديهم أو لعقدةٍ منهم؟
لقد جاء البابا إلى لبنان ورمى حجراً في المياه الآسنة للسياسة اللبنانية، هلل السياسيون له، لكن هل يعلمون أن تهليلهم هو إدانة لهم أكثر مما هو ترحيبٌ به؟

لئلا تذهب هذه الزيارة إلى غياهب النسيان، أودَع البابا اللبنانيين وثيقةً للأجيال الآتية حيث اعتبر فيها، وفي عنوانها تحديداً أن الكنيسة في الشرق الأوسط شركة وشهادة.
لم يأتِ العنوان هكذا، فالوثيقة أو الإرشاد هو في توقيت بالغ الدقة والأهمية والحراجة في لبنان والعالم العربي، وقد صوَّر البابا هذا الوضع في غاية الدقة حيث يقول في الصفحة 7 من الإرشاد:
هذه الأرض المباركة والشعوب التي تسكنها تختبر الإضطرابات البشرية بشكلٍ مأسوي، عدد كبيرٌ من القتلى ومن الأرواح التي دمَّرها العمى البشري، ناهيك عن الخوف والمذلة، يبدو أن لا شيء يكبح جماح جرم قايين.
هل من دقة أكثر من هذه الدقة في توصيف الوضع في الشرق الأوسط؟

يُركِّز البابا في الإرشاد على العلاقة بين المسيحيين والمسلمين فيقول في الصفحة 15:
يتقاسم المسيحيون مع المسلمين الحياة اليومية نفسها في الشرق الأوسط حيث وجودهم ليس عرضياً أو حديثاً إنما تاريخي.
ينطلق البابا من هذه الحقيقة ليصل في الصفحة التالية إلى اعتبار ان الحرية الدينية هي تاج كل الحريات، إنها حقٌّ مقدَّس وغير قابل للتفاوض.

في مكانٍ آخر، يُصوِّر البابا حقيقة الوضع في الشرق الأوسط من الناحية الروحية فيقول في الصفحة 18:
يختبر الشرق الأوسط، كباقي أنحاء العالم، واقعين متضاربين:
العلمانية بأشكالها التي تصل أحياناً للتطرف، والأصولية العنيفة التي تدعي قيامها على أصول دينية.

في الصفحة 22 يضع البابا يده على لب القضية ليقول تحت عنوان المهاجرون:
يشعر المسيحيون بأنهم ضحايا محتملة لأي اضطرابات ويجدون أنفسهم أمام ضرورة اختيار آفاق مؤاتية حيث يمكنهم العيش مع أسرهم بكرامة وأمن، إنه الخيار المأسوي لما يحمله من نتائج خطيرة على الأفراد والعائلات والكنائس، هكذا يدعو البابا المسيحيين إلى البقاء في وطنهم وعدم بيع أملاكهم.

هذا الكلام لا يُقال إلا للشباب لأنهم الأمل الآتي وليس الزائل، فمَن له أذنان سامعتان ليسمع؟  

السابق
الوحش:سأنشئ قوة كما حزب الله
التالي
الإبراهيمي بين القناعات والضغوط