لبنان والبابا ونصفُ قرنٍ الى الأمام

إنها زيارة تاريخية بكل المقاييس، تلك التي قام بها البابا بنديكتوس السادس عشر، وأهميتها التاريخية أنها توجَّهت الى الشباب باعتبار أن المستقبل لهم.
يقول البابا في لقاء الشبيبة في بكركي:
لا تخافوا، كونوا أصحاب مبادرات تعطي وجودكم معنى وجذوراً، حتى البطالة والأخطار يجب ألاّ تدفعكم لتجرّع العسل المرّ للهجرة من أجل مستقبل غير أكيد. تصرّفوا كصنّاع لمستقبل بلدكم، أنتم رجاء بلدكم ومستقبله، كونوا مضيافين ومنفتحين، أنتم مستقبل هذا البلد الرائع والشرق الأوسط برمته.

كل كلمة من هذا الكلام الرائع بحاجة الى تدقيق وحفظ وتأمل، فالكلام الموجّه الى الشباب له معناه العميق، هؤلاء الشباب سيكونون بعد عقد من الزمن مسؤولين في الشأن العام لعقود طويلة، إذاً سيكونون هم المسؤولون عن نصف قرنٍ الى الأمام، هؤلاء مَن كان البابا يخاطبهم ويتوجّه اليهم لأنه كان يخاطب فيهم نصف قرنٍ الى الأمام.

هذا هو المعنى العميق للكلام الذي وجهه البابا، وإذا أردنا إحصاء الوقت الذي خصصه للشباب بالمقارنة مع ذلك الذي خصصه للمسؤولين وللسياسيين، لوجدنا أن معظم الوقت كان مخصصا للشباب: كان ذلك في حريصا ثم في بكركي ثم في وسط بيروت.

وما يوازي الأهمية التي أعطاها البابا للشباب، هو تركيزه على طابع التعايش بين المسيحيين والمسلمين، وهذا ما ميَّز لقاءاته في قصر بعبدا حيث اجتمع مع رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي ورؤساء الطوائف الاسلامية الذين انضمّ اليهم أمس مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قبّاني بعدما كان غاب عن استقبال المطار. كما كانت مُعبِّرة الرسالة التي بعث بها الرئيس سعد الحريري الى البابا، وفيها إشارة الى الظروف التي حالت دون مشاركته في استقباله، لافتاً الى أنها تؤسس لوضع جديد، مع الرجاء أن تظهر مفاعيله الايجابية في المستقبل.

جاء البابا لثلاثة أيام ثم غادر وتركنا، فكيف سنتحمَّل مسؤولية الحفاظ على الارشاد الرسولي الذي وقَّعه؟
البابا قام بما عليه ويبقى على اللبنانيين مجتمعين ان يواصلوا العمل وفق هَدي ما أطلقه من خطب ورسائل.

ثلاثد أيام بابوية في لبنان كانت من أعظم الأيام اللبنانية، يكفي أن نذكر ما كشفه أحد المراجع الأمنية العليا من أن البابا تمسَّك بزيارة لبنان على رغم التحذيرات الأمنية الصارمة التي جاءته من دولتين غربيتين، ولهذا الإصرار معناه لأنه أراد أن يقول إنه مستعدٌّ لتحمُّل المخاطر شأنه شأن اللبنانيين.   

السابق
خطف المواطن يوسف بشارة على طريق بصاليم فجرا
التالي
البابا ـ الإبراهيمي