لا مكان بيننا للخونة

مفارقة هي ردة الفعل على عمل غير أخلاقي متمادٍ. صار السؤال عند البعض هو لماذا تعودون الى التشهير بالذين ارتضوا التعامل مع الحكومة الأميركية المسؤولة والشريكة المباشرة في عملية القتل المستمرة لكل من عارضها أو قاوم احتلالها أو ناضل من أجل تحصيل حقه منها ومن ربيبتها إسرائيل؟

والمفارقة هنا أن هؤلاء لم يتوقفوا عن التعامل مع الأميركيين، بل صاروا يتباهون أكثر بفعلتهم بعدما اقتصر الحساب معهم على كلمات قليلة. وهم مع كل فجورهم يريدون منا الصمت على أفعالهم القذرة. وكأن علينا سؤالهم السماح لأننا تمكنّا من رؤيتهم يمسكون بالخنجر الدامي الحافر في ظهورنا. والمفارقة هنا أيضاً في أن هؤلاء الذين سرقوا الأموال من هنا وهناك، وهم ينعمون بها وكأنها مباركة بعرق الجبين أو تعب الفلاحين، أو مطهّرة بفعل الأمانة والصدق، يريدون منا، أن نقصدهم، معتذرين عن وقاحتنا في فتح الأفواه استغراباً، وأن نناشدهم الرأف بأحوالنا لأن بعضنا تجرأ على رفع الصوت نقداً أو حتى تساؤلاً. ويريدون منا أن نقصدهم واحداً واحداً، حيث يعيشون على دماء أهلنا وشعبنا، ونطلب منهم شملنا بعطفهم أو ببعض ما حظوا به من عطف المجرم الأكبر في العالم، لا بل هم يريدون منا القبول بهم قادة رأي وفعل وعمل، وأن نطوبهم زعماء فوق رقابنا، وكأنه لا يكفينا شر رفاقهم من الفاسدين.

في ردود الفعل المنظورة وغير المنظورة على نشر «الأخبار» وثائق جديدة من «ويكيليكس» عن بعض الشخصيات الشيعية اللبنانية، يبدو أن بيننا من لم يتعلم الدرس، ولم يخجل من نفسه أمام نفسه وأمام أولاده وإخوته وأهله. ويبدو أكثر أن بيننا من تجاوز حد الوقاحة الى حد الجرم في إشهار ارتباطه المشبوه مع المجرم الاميركي. ألا يعتقد هؤلاء، (أم أنهم يحتاجون الى مفسر وإلى دليل) بأن علاقتهم بالسفارات الأميركية في لبنان، ومشاركتهم الإدارة الأميركية العمل ضد المقاومة في لبنان، ما هو إلا وجه واضح وفاضح من التعامل مع إسرائيل؟
ثم ما الذي يتوقعه هؤلاء الصغار، القذرون والتافهون، من شعب لا يزال يُقتل كل يوم، ويتعرض للاضطهاد والتعسف باسم حرية أميركا في حكم العالم. ألا يتحسس هؤلاء رقابهم وهم يخرجون يومياً من منازلهم النجسة؟ ألا يرون وصمات العار وهي ترتسم فوق جباههم، فيما الناس يرمقونهم بنظرة الحقارة؟ أم هم يعتقدون بأنهم سوف ينجون بفعلتهم إن هم قرروا أن عمالتهم هي مجرد وجهة نظر، أو مجرد رأي، يمكن، بل يجوز منطقياً ووطنياً وأخلاقياً إشهاره في وجه المقاومة؟
كيف لهؤلاء أن يفسروا لنا:
ــ توصية الأميركيين بآليات عمل للنيل من المقاومين وبيئتهم.
ــ تزويد الأميركيين بأكبر قدر من المعطيات والمعلومات عن المقاومة وأهلها.
ــ طلب الدعم المالي (والتفاخر به) من الأميركيين وجماعتهم في لبنان والمنطقة من أجل إنتاج آليات ومكونات هدفها الحد من انتشار المقاومة.
ــ جعل التواصل مع ممثلي الإدارة الاميركية، الدبلوماسية والأمنية، أمراً عادياً مبرراً، ومحاولة إقناع الناس بأن الولايات المتحدة بلد، مثلها مثل أي بلد في العالم.
ــ السعي من خلال الأميركيين الى تحقيق تواصل مع الإسرائيليين وتبرير هذا التواصل، بل العمل على تطويره حيث أمكن، واعتبار ذلك حقاً انطلاقاً من حرية الفرد وحقوق الإنسان.

كيف لهؤلاء أن يفسروا لنا هذا القدر من الكراهية التي جبلت بها وجوههم، وهذا التسوس الذي ينخر عقولهم، وهم يفعلون ما يفعلون، ثم يقفون مستغربين: لماذا انتقادنا؟
والأنكى هو السعي إلى تهديدك بوسائل عديدة، بينها العلاقات الإنسانية، وبينها الضغوط المتعارف عليها في لبنان، وبينها التلويح بإدراج اسمك أو مؤسستك على اللائحة السوداء، ما لم تتوقف عن نشر ما تسرب من وثائقهم الكريهة النتنة. هل هم يعتقدون بأن من الممكن حصول ذلك، وأن هناك من يقدر على منع التشهير بهم وفضحهم صبح مساء وفي كل الأمكنة المتاحة، وهل هم يعتقدون بأن كلمة من هنا أو صراخاً من هناك، وأن اجتماعاً تنسيقياً من هنا أو إعداداً لما يفترضونه رداً، سوف يدفعنا الى التوقف عن نشر غسيلهم الوسخ حيث يمكننا وأينما يتاح لنا ذلك؟

ربما لا يعرف هؤلاء، وخصوصاً منهم من يعيش بين منازل المقاومين والشهداء، أن عليهم خفض الرؤوس والتسلل الى علبهم القذرة، وأن عليهم الابتعاد عن غضب الناس الآتي إليهم في أي لحظة، يعلمهم دروساً كانوا يعتقدون أنهم هم من يلقّنها للآخرين. وربما وجب على هؤلاء معرفة أنهم تحت النظر، وتحت المتابعة لكل الموبقات التي يقومون بها، من دون أن يرفّ لهم جفن أو يتحرك فيهم الحياء. وأن مقاومتهم سوف تتعزز، وسوف تكون أكثر قوة من السابق، وأن السياق الذي يشهد أعنف معارك الأعداء ضد المقاومة في بلاد الشام سوف يدفع الى محاصرتهم حتى إفقادهم كل قدرة على النطق بالكفر. وربما وجب على من يمون على هؤلاء بكلمة عقل أن يشرح لهم أن زمن المسامحة العامة انتهى، وأننا، اليوم، في ذكرى مجازر العدو البشعة قبل ثلاثين سنة، وفي ذكرى انطلاقة أرقى فعل مقاوم ضد الاحتلال، لا يمكن أن نقبل بحل وسط مع هؤلاء. ومن لم يعجبه منهم هذا المنطق فليرحل عنا!  

السابق
إسرائيل:حزب الله لا يزال يسعى لقتل ضباط من الجيش
التالي
أكلوا KFC قبل الحرق