إخوان مصر وتونس على حد سِكِّين تاريخية

هل كان الأمر محض صدفة أن ينطلق العنف الذي رافق الحركة الاحتجاجية ضد شريط
براءة المسلمين" (والذي لن نكل ولن نمل من التذكير بأنه تافه وسخيف ومنحط)، من دول الربيع العربي؟
ومامعنى أن تتمدد أعمال العنف الأصولي القروسطي فجأة من شبه جزيرة سيناء على البحر الأحمر إلى مدينة بنغازي على البحر المتوسط، مروراً بعاصمة الربيع العربي الثالثة تونس التي تشهد بدورها فورة عنفية قروسطية مماثلة؟

ثمة تفسيران:
الأول، يقول أن التنظيمات المتطرفة أفادت، كما حالها دوماً، من حالة الفوضى واللاإستقرار التي سادت دول الربيع العربي خلال وغداة إطاحة الأنظمة الديكتاتورية فيها، فنشطت لمحاولة ملىء الفراغ على طريقتها الخاصة.
والثاني، أن التنظيمات الطالبانية والقروسطية شعرت بخطر شديد يتهددها إديولوجياً وتنظيمياً من جراء قيام الشباب العربي بالإمساك بمقاليد مصيرهم بنفسه، ما هدّد كل فرصها لتجنيد العديد منهم لصالح قضيتها الداعية إلى الجهاد ضد كل من "كفرة الخارج" (الغرب) والداخل ( الأنظمة العربية).
وبالمناسبة، التكفير الأخير، أي للأنظمة، شمل في الآونة الأخيرة ليس فقط النظام الليبي الذي فاز فيها الليبراليون مؤخراً في الانتخابات العامة، بل أيضاً نظامي الإخوان المسلمين في مصر وتونس بسبب تبشيرهما بالمصالحة بين الإسلام وبين الديمقراطية التي يكفّرها هؤلاء بدوره

وجه الخطورة الإضافي في هذه الطفرة القروسطية، تكمن في أنها تتقاطع مع مصالح العديد من الأطراف العربية والدولية الخائفة من مضاعفات الربيع العربي عليها، من إيران التي ترى في التحالف المحتمل بين واشنطن والإخوان خطراً داهماً عليها، إلى السعودية التي رفضت أصلاً فكرة هذا الربيع الإخواني واحتضنت قادة "علمانيين" على غرار زين العابدين بن علي وحسني مبارك، وصولاً إلى روسيا التي تشعر الأن بخوف على شمال القوقاز وآسيا الوسطى الأسلاميين من كل أنواع "الإسلامات" الناشئة في الشرق الأوسط.
كل هذه القوى ترى مصلحة لها في تقويض عملية الانتقال إلى الديمقراطية في مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين. وكلها ترى في التصعيد العنفي القروسطي، من سيناء إلى بنغازي، إضافة إلى الأموال الضخمة التي تُصرف لتعزيز القوى السلفية غير الديمقراطية، مقدمة لثورة مضادة ضد الربيع العربي.

هل تُدرك الأنظمة الجديدة في مصر وتونس هذه الحقائق؟
الأرجح أن الأمر كذلك. لكن الإدراك شيء، والعمل شيء آخر. فما لم يتحلَّ هذان النظامان بالجراة والشجاعة لتسمية الأشياء بأسمائها وخوض معركة الانتقال إلى الديمقراطية على أساسها، فسيكتشفان سريعاً أن ربيعهما كان من عمر الزهور وحتى ربما أقصر من ذلك.
لماذا؟
لأن استمرار الفلتان الأمني القروسطي الراهن سيفقد هذين النظامين الدرع الوحيد الذي يحميهما من عودة التسلُّط العسكري- المخابراتي، وهو الدعم الدولي (الأميركي- الأوروبي بالتحديد) للعملية الانتقالية نحو الديمقراطية.
تسمية الأشياء بأسمائها تعني هنا امراً واحدا: تظهير الصورة الواضحة بالكامل للإسلام السياسي الديمقراطي، جنباً إلى جنب مع تشكيل كتلة تاريخية جديدة داعمة له تضم كل القوى والفئات الإسلامية المعتدلة واليسارية والعلمانية صاحبة المصلحة في بناء دولة مدنية تستند إلى المواطنة، وسيادة القانون، والحريات المدنية.
ما لم يُقدم الإخوان المسلمون في مصر وتونس على هذه الخطوة، فسيجدون مواقعهم تتصدَّع الواحد تلو الأخر تحت ضربات كلٍ من اليمين ( السلفيون التقليديون والأصوليون القروسطيون) واليسار(الديمقراطيون واليساريون والعلمانيون). ثم ستأتي الضربة القاضية حين يُقرر الغرب فتح الأقفاص لتخرج منها النمور العسكرية والمخابراتية الغاضبة، ولتمزِّق التجربة الديقراطية والإخوان معاً شر تمزيق.
الوضع، بالنسبة إلى الأخوان في مصر وتونس، إذاً، في غاية الدقة والخطورة. وإذا هم لم يغادروا مواقع الدفاع إلى مواقع الهجوم وبالسرعة اللازمة، ستكون الفرصة التاريخية النادرة التي مُنحت لهم وأخرجتهم من جحيم المعتقلات إلى فردوس الحكم، مجرد حلم ليلة صيف عابر.
إنهم الأن على "حد سكين" تاريخية. والأمر يعود إليهم ليقرروا إما إبعاد هذه السكين عن رقابهم، أو تركها لتجعل التجربة الديمقراطية تنزف حتى الموت.
  

السابق
الانتخابات النيابية
التالي
القضاء يجبره على تغيير اسمه الفاضح