لبنان السلام في زمن الهمجية

ليس بريئاً على الاطلاق ان يتم الاعلان عن فيلم "براءة المسلمين" المسيء للرسول محمد بعد يوم واحد من احياء الادارة الاميركية الذكرى الـ11 لاعتداءات 11 ايلول 2001. والفيلم كما روجت اكثر من وسيلة اعلامية اميركية من إنتاج مطور عقارات اسرائيلي – اميركي وجمع لانجازه خمسة ملايين دولار من 100 متبرع يهودي
وصوّر في ولاية كاليفورينا في 3 أشهرالعام الماضي. وليس مصادفة ايضاً ان يروج عنه القس المتطرف تيري جونز وهو الذي حرق نسخ القرآن الكريم أمام الكاميرات .
الفكرة الاساسية التي يقوم عليها الفيلم هي "اظهار ان الإسلام دين كراهية" . ويأتي في سياق حملة مستمرة ومعلنة لتشويه صورة الاسلام والنبي محمد ووسم المسلمين بالارهاب والعنف والتطرف منذ احداث 11 ايلول. وتتجلى هذه الحملة بعنصرية تجاه المسلمين واساءة اعلامية برسوم مسيئة وحرق مصاحف وغيرها. التوقيت الذي اعلن فيه عن الفيلم وردات الفعل الدموية في اكثر من بلد عربي وافريقي تؤكد هدف الجهات الراعية والمخططة والداعمة للفيلم وانتاجه وهو احداث اقصى قدر ممكن من الضرر وامعان في تأجيج مشاعر الكره في نفوس شعوب هذه البلدان التي يفترض انها انتفضت في ربيع عربي بدعم وترحيب اميركيين للانتقال من القمع والديكتاتورية الى ربيع الديمقراطية والحرية الاميركية. وفي واقع الامر ان ردات الفعل العنيفة والمسيئة الى صورة الاسلام كدين رحمة وتسامح وتعايش وتكامل مع الاديان الاخرى خدمت عن قصد او غير قصد الهدف المرجو من الاعلان عن الفيلم خصوصاً ان البلدان التي شهدت احداثا مأسوية وغير مفهومة او مبررة كانت ليبيا ومصر واليمن وتونس وتركزت على السفارات والقنصليات الاميركية والتي يفترض ان تكون جهات حليفة وصديقة لشعوب هذه المنطقة. "الانظمة الديمقراطية" التي انتجتها شعوب هذه البلدان سارعت الى ادانة الاعمال العنيفة وتبرعت للاعتذار الى الادارة الاميركية وحمت السفارات فيها وهو مطلوب في الشكل لان الاسلام هو دين الاعتدال والتسامح وليس دين قطع الرؤوس والاسرى والتمثيل بالجثث وليس دين الانغلاق او تكفير الشعوب والتحقير في اديانهم وكراماتهم.
ظاهرة تدعو الى الاستغراب والاستهجان في البلدان العربية والخليجية حيث لم تتحرك المرجعيات الدينية والسياسية في اكبر دولتين عربيتين تأثيراً ونفوذا السعودية ومصر منذ العام 2001 وحتى الآن في اتجاه الامم المتحدة ومجلس الامن والمحافل الدولية التي تضمن حرية المعتقد والرأي واحترام الانسان وحقوقه ولم تطالب مثلاً باصدار تشريعات وقوانين ملزمة لملاحقة من يسيء الى الاسلام ورموزه على غرار التشريعات والاعراف التي تجرم معادي السامية وكأن هناك تواطؤا بين هذه الانظمة والولايات المتحدة التي تضمن استمرار انظمتهم القمعية والاستبدادية بينما تسعى باي وسيلة لقلب الانظمة وتقويض استقرار البلدان التي تعتبر عدوة لاميركا واسرائيل وحلفائهما في المنطقة وهذا التواطؤ ساعد في خلق وتنمية بيئة معادية ومتطرفة تتلطى وراء الاسلام لاستهداف الاديان الاخرى وتعميم الحقد والكراهية بين الديانتين المسيحية والاسلامية وهذه النزعة المتطرفة قد تسنى لها الوصول في اكثر من بلد من بلدان الربيع العربي باتفاق ورضى اميركيين الى سدة السلطة.
محاولة نقل هذه التحركات العنيفة والاحتجاجية الى لبنان امس، خصوصا في الشمال واتخاذها منحى عنيفا وسقوط قتلى وجرحى وحرق مؤسسات تجارية وسياحية اميركية المنشأ بالتزامن مع بدء الحبر الاعظم البابا بنديكتوس السادس عشر زيارته لبنان وبروز اعتراض من شخصيات سلفية على زيارته ، تدعو الى القلق .
وتكتسب زيارة البابا الى لبنان اهمية لجهة توقيتها ومضامينها وفي اعلان وتوقيعه الارشاد الرسولي "شركة وشهادة" الذي اعقب السينودوس الخاص بكنائس الشرق الاوسط بعدما وقع سلفه الارشاد الرسولي بعد السينودوس الخاص بلبنان في 10 ايار من العام 1997.
ورغم ان الزيارة راعوية الا انها تكرس مسلمات اساسية ان لبنان بلد نهائي لكل ابنائه ومثال العيش الاسلامي المسيحي ورسالة الى كل الشرق والغرب. فالعالم العربي لا يقوم الا بجناحيه المسلم والمسيحي وان الديمقراطية اللبنانية رغم علاتها تبقى اساسية للاستقرار وضمان عيش الطوائف في ما بينها في ظل همجية تعيشها البلدان الاخرى حيث لا يعلو صوت الا صوت القتل على الهوية واقصاء الآخر بالدم …انه لبنان السلام في زمن الهمجية.  

السابق
الشرق الأوسط: البابا يدعو لوقف إرسال الأسلحة إلى سوريا لوضع حد للحرب
التالي
حـروب عابثـة