حماس ضد السلفيين… كيف ولماذا؟

نزعت حماس القفازات في مواجهة الحركة السلفية الجهادية في غزة وشنت ضدها حملة اعتقالات هي الأقسى والأوسع انتقلت من شارع إلى شارع حسب تصريح أحد قادة السلفيين حركة المقاومة الإسلامية تدفع الآن وفي سعيها نحو مستقبل أفضل لها ثمن أخطائها وسياساتها التحريضية الضيقة الأفق وقصيرة النظر خلال العقد الماضي والتي كانت السلفية الجهادية إحدى تجلياتها وثمارها المسمومة.
تتصرف حماس الآن باعتبارها السلطة الشرعية المنتخبة، والتي من حقها اتخاذ ما تراه مناسباً من سياسات ورؤى بما في ذلك طبعاً التهدئة مع إسرائيل، الحركة السلفية الجهادية من ناحيتها تعتقد أن لا شرعية فوق شرعية المقاومة، وأنه لا يمكن ولا يجب السكوت في مواجهة الممارسات الإسرائيلية في الضفة وغزة من تهويد واستيطان قتل وحصار دون الاجتهاد والتفكير بأساليب غير عسكرية بالضرورة، وهذا في الحقيقة تكرار عكسي لما كان زمن السلطة الفلسطينية الأولى، حيث تبدو الحركة السلفية الجهادية وكأنها تستنسخ نفس خطاب ومقاربة حماس آنذاك تجاه السلطة الحكومة القيادة وفكرة التهدئة مع إسرائيل أي كانت الأسباب والتي لم تحترم أو تقدّر جيداً لا الشرعية ولا الانتخابات ولا الوسائل السلمية لإجبار الحكومة على تبني سياسات مختلفة وها هي الآن تدفع الثمن.
التهدئة هي إحدى العجائب الفلسطينية الغزاوية والإعلام يتحدث عن تهدئة غير معلنة رغم أن المولود حي يركل ويرفس ولا أحد مستعد لنقاش جدي صريح شفاف ومنفتح حول التهدئة؛ خلفياتها، أسبابها، وكيف وصلنا إلى وضع أصبحت فيه مصلحة الشعب الخاضع للاحتلال والتصعيد مصلحة لهذا الأخير. وطبعاً لا حوار حول مجانية التهدئة العلنية الحاصلة حالياً، والتي سمحت للاحتلال بمواصلة الحصار الجزئي لغزة: فرض ما يشبه حزام أمني داخل القطاع ومنع الصيادين من البحث عن أرزاقهم ولا أحد يسأل أيضاً عن أسباب إنهاء التهدئة الأولى، التى تم التوصل إليها بوساطة رسمية مصرية معلنة. وكانت أفضل من مثيلتها الحالية وإنهائها المتعجل والارتجالي أدى إلى اندلاع الحرب الزائدة التي دمّرت غزة وبناها التحتية المتواضعة أصلاً.
حالة الغموض والتكتم المتعمدة تحول دون قراءة تشخيص الواقع بشكل صحيح ودقيق من أجل استخلاص العِبر المناسبة منه، ومنذ تنفيذ خطة فك الارتباط عن غزة لم يعد بإمكان المقاومة الاشتباك مع إسرائيل أو خوض معركة استنزاف عسكرية يومية معها، وباتت الضفة ساحة المقاومة الرئيسية التي تطرح التحدي الأساس على الفصائل، علماً أن وجود السلطة لا يترك مجال لأبعد من مقاومة شعبية جماهيرية أقرب إلى نموذج الانتفاضة الأولى والسلطة نفسها تمثل أحد أسباب التهدئة في غزة التي لا تريد ولا تحبذ حماس نقاشها أو الخوض فيها بشكل جدي ومسؤول.
ليس بعيداً عن السياق السابق لا يمكن تجاهل حقيقة أن الحركة السلفية الجهادية نتاج لحالة العسكرة التي فرضتها حماس على غزة في السنوات الخمس الأخيرة والتي لا تعبر بالضرورة عن المقاومة كخيار يتضمن أساليب وأشكال متعددة العسكرة أقفلت الآفاق الاقتصادية والاجتماعية والحياتية أوجدت السلاح بكثرة في أيادي الناس دون هيبة أو سلطة لأحد دون امتلاك الشجاعة للقول أن المقاومة لا يمكن أن تكون منبر للفوضى والانقسام أو أن يدير أي فصيل، بل أي شخص الصراع على هواه وكيفما شاء.
أكثر من ذلك فقد ساهمت حماس نفسها دون أن تقصد ولكن ضمن سيرورة الغباء والغطرسة في وضع النواة الأولى للمجموعات السلفية، فقد أسست بنفسها مجموعة جيش الإسلام للسيد ممتاز دغمش الذي قام بتصفية الجنرال موسى عرفات على طريقة المافيا، وضمن الصراع الفتحاوي الداخلي الذي لم تتورع أطرافه عن استخدام القتلة والمأجورين لتحقيق مصالحهم الشخصية. حماس بدلاً من أن تنبذه أو تحاسبه قامت بمكافأته بعدما طرده الشهيد جمال أبو سمهدانة من لجان المقاومة الشعبية وأشركته في عملية أسر جلعاد شاليت، ومن هناك وبعد التهدئة والبطالة كانت الطريق قصيرة جداً كي يتحول إلى الشيخ أبو محمد المقدسي وأحد قادة الحركة السلفية الجهادية في غزة.
عملية أو جريمة رفح البشعة منتصف رمضان الماضي، كانت ترجمة أو نتاج للمعطيات السابقة وتحويل لفائض المقاومة من غزة إلى سيناء، التي طالتها العسكرة الحمقاء والمتغطرسة معطوفة على السياسات البائسة للنظام المصري السابق غير أنها جاءت في وقت اعتقدت فيه حماس أنها في طريقها لتحقيق هدفها الأول والرئيس، الاحتفاظ بالسلطة الأحادية في غزة مع رفع الحصار وفتح معبر رفح دون الاضطرار إلى تنفيذ اتفاق المصالحة وتقديم التنازلات والتخلي عن المكاسب السلطوية الأمنية والاقتصادية التي حققتها خلال السنوات الخمس الأخيرة ووجدت الحركة الإسلامية نفسها أمام الخيار الصعب الانضمام إلى الرئيس محمد مرسي والمؤسسة الأمنية والعسكرية المصرية في حربها ضد مجموعات السلفية الجهادية في سيناء وحلفائهم الغزيين أو رفض ذلك ومواجهة العزلة، وحتى تشديد الحصار، إغلاق المعبر وحتى الأنفاق التي مثّلت شريان الحياة لسلطتها، ولم تتردد الحركة لحظة واحدة في الاختيار والاصطفاف إلى جانب الرئيس مرسي ضد من لا يقرأون أو يفهمون التاريخ، وحتى الجغرافيا السياسية المتعلقة بسيناء وغزة أو حتى فلسطين ومصر بشكل.
إذن الحرب جدية هذه المرّة ضد السلفيين من قبل حماس التي تسعى إلى الانطواء ضمن مناخات الربيع العربي الساعية إلى إصلاح ما دمّره العسكر خلال عقود وتأسيس الدولة العربية المدنية الديموقراطية الحديثة ولا مجال بالتالي لتصعيد عنيف ضد إسرائيل، وإنما لإدارة هادئة بوتيرة منخفضة للصراع، وعلى السلفيين في غزة الاختيار بين العودة إلى الجانب الدعوى أو الخضوع للخطوط الحمر وقواعد اللعب التي فرضتها حماس وقبلت بها كل فصائل المقاومة مع تذاكي وتلاعب بالكلمات لا يحجبان حقيقة القبول بكل ما تريده السلطة الحاكمة.
  

السابق
إشارات دولية تُبقي الحكومة حتى جلاء الوضع السوري
التالي
واشنطن في بنغازي: الشماتة والشهامة…