اللواء: توقيع الإرشاد الرسولي: إنفتاح على حوار الأديان وتثبيت المسيحيين في ديارهم

كل لبنان من اقصاه الى اقصاه انشغل بالزيارة الاستثنائية للبابا بنيديكتوس السادس عشر، رسمياً وسياسياً وطوائفياً، بحيث كان المسلمون الى جانب المسيحيين في مقدمة المحتفين بقدوم رأس الكنيسة الكاثوليكية لتثبيت العلاقة التاريخية والتعايشية بين المسلمين والمسيحيين، لا سيما في الشرق، في وقت كانت فيه الاوساط الكنيسة في العالم الانكلسكسوني تلتزم الصمت ازاء الجرائم المتمادية التي تستهدف نبي الاسلام ورمزه المقدس محمد (صلى الله عليه وسلم). وآخرها الفيلم الذي اخرجه رجل يصف نفسه بأنه يهودي اسرائيلي، في حين ان اذاعة راديو "سوا" الاميركية قالت انه قبطي مصري واسمه نيكولا باسيلي نيكولا.
ولئن كانت الزيارة في محطاتها التسع تكتسب اهميتها من الظروف السياسية، وتحولات الربيع العربي، واستمرار العدوانية الاسرائيلية ضد مقدسات العرب والمسلمين وتجاهل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، فإن نكهتها اللبنانية، بدت علامة فارقة من اللحظة التي وطأت فيها قدما البابا ارض المطار، حيث لاقى استقبالاً رسمياً وشعبياً وروحياً حاشداً، مروراً بطريق المطار، حيث كانت اليافطات الصفراء التي رفعتها "كشافة المهدي" التابعة لحزب الله ترحب به في "وطن المقاومة" وصولاً الى مقر اقامته في السفارة البابوية في حريصا، مع وفد الكرادلة الكبير الذي رافقه من روما، حيث احتشد الجمهور المسيحي عند مفرق جونيه – درعون مرحباً بالاعلام والارز والاناشيد بالبابا الذي "يحمل سلامه" اليهم.
ولم يخف البابا الزائر في كلمته لدى وصوله الى مطار بيروت اعلانه ان زيارته الى لبنان هي وبطريقة رمزية "الى جميع بلدان الشرق الاوسط" كحج سلام وتصديق لله، وصديق لجميع سكان دول المنطقة، معتبراً ان "التوازن اللبناني الشهير سيكون نموذجاً لكل سكان المنطقة والعالم بأسره"، الا انه لم يتطرق الى التوترات السائدة في المنطقة، سواء في كلمته في المطار، او في كلمته الثانية اثناء الاحتفال بتوقيع الارشاد الرسولي، لكنه خص الاعلاميين الذين رافقوه بالطائرة من روما الى بيروت بحديث، نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، اكد فيه انه لم يفكر ابداً في الغاء هذه الزيارة، بسبب الوضع الامني في سوريا المجاورة، داعياً الى وقف ارسال الاسلحة الى سوريا، لانه من دون ارسال الاسلحة لا يمكن للحرب ان تستمر.
واضاف: "بما أن الوضع في سوريا يصبح أكثر تعقيداً، من الضروري أكثر إعطاء إشارة الصداقة والتشجيع والتضامن هذه، انه مغزى زيارتي: الدعوة إلى الحوار ضد العنف والمضي معاً لإيجاد حل للقضية". معتبراً أن الربيع العربي أمر ايجابي، رغبة بالمزيد من الديمقراطية والحرية والتعاون وبهوية عربية متجدّدة، ومشيراً إلى أن صرخة الحرية الصادرة عن شباب متقدّم أكثر ثقافة ومهنية، ويرغب بالمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية هي وعد وأمر ايجابي جداً، وكانت موضع ترحيب تحديداً من قبلنا نحن المسيحيين".
وكشف مدير غرفة الصحافة الفاتيكانية المونسنيور فريدريكو لومباردي في ختام اليوم الأوّل للزيارة عن أن البابا وضع في تزامن احداث طرابلس التي ذهب ضحيتها قتيل وحوالى 25 جريحاً، احتجاجاً على الفيلم المسيء للرسول العربي محمّد (ص)، بالإضافة إلى ما جرى من احداث في القاهرة واليمن وليبيا، فرد على محدثه قائلاً: "انه يريد المجيء رغم كل الظروف القائمة، لأنه يريد أن يكون رسول السلام في ظل الظروف الضاغطة"، واضاف: "انا أريد نشر السلام من دون خوف".
الإرشاد الرسولي
اما الإرشاد الرسولي الذي وقعه البابا في بازليك حريصا، فلم يوزع على الحاضرين، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وعدد من نواب وسياسيين، وبطاركة الطوائف المسيحية والاساقفة، واكتفى البابا بوصف الإرشاد بأنه يظهر انفتاحاً على حوار حقيقي بين الأديان، مبنياً على الإيمان بالإله الواحد الخالق، انه يساهم بعمل مسكوني مفعم بالحب والعطاء.
وقال أن الإرشاد في كل مكوناته يسعى إلى مساعدة كل واحد من تلامذة المسيح ليعيشوا على اكمل وجه (…) وأن كنائس الشرق الأوسط لا تخاف لأن الرب معها حتى النهاية: لا تخافوا، لأن الكنيسة العالمية تسير إلى جانبكم وهي قريبة منكم انسانياً وروحياً.
وختم: "بأننا مدعوون هنا والآن للاحتفال بانتصار الحب على الكراهية، والتسامح على الانتقام، والخدمة على السيطرة والتواضع على الكبرياء، والوحدة على الانقسام".
محطات الزيارة
وكشفت معلومات بأن الارشاد الرسولي والذي يحمل شعار: "شركة شهادة"، سيوزع اليوم على المدعويين الذين سيلتقيهم البابا في قصر بعبدا، حيث سيشارك في هذه اللقاءات اكثر من 600 مدعو، من رؤساء ووزراء ونواب وسياسيين ورجال دين. وقد دعا رئيس الجمهورية ميشال سليمان المواطنين الى التجمع اعتبارا من الساعة الثامنة صباحا على طريق القصر الذي سيسلكه البابا بسيارة "بابا موبيلي" من مستديرة الصياد حتى مدخل قصر بعبدا لمشاهدته عن قرب وأخذ مباركته".
يذكر ان لقاءات بعبدا، التي ستكون المحطة الثالثة للزيارة ستكون اكثر المحطات اثارة من الناحية السياسية، وتليها بعد ذلك محطة دينية، شعبية مميزة في بكركي مساء، في حين ان القداس الذي سيقيمه البابا في الواجهة البحرية لبيروت ستكون محطة شعبية حاشدة، حيث يتوقع المنظمون ان يضم حشداً من مائة الف مواطن.
وكان الرئيس سليمان قد أكد لدى استقبال البابا في المطار ان "العائلة اللبنانية، بجميع مكوناتها وطوائفها، ترحب بقداسة البابا"، آملا في أن تأتي زيارته بالخير والبركات على لبنان واللبنانيين وعلى شعوب المنطقة ومكوناتها، ومن بينهم المسيحيون المشرقيون"، لافتا الى "ارتباط الكرسي الرسولي بعلاقة تاريخية متواصلة مع لبنان الذي لقي منه على الدوام دعما وتقديرا لموقعه ولدوره في بناء حضارة قائمة على التلاقي والتسامح والخير".
ونوه الرئيس سليمان بـاظهار لبنان على الدوام مقدرة على المقاومة والتضحية والاستشهاد في سبيل الدفاع عن سيادته واستقلاله وحريته ووحدته وقيمه، وبمساهمة من هاجر من أبنائه بإعمار الدول التي استقروا فيها على كل الصعد"، لافتا الى "استضافته على ارضه أكثر من 400 ألف لاجئ فلسطيني يسعى، بالتنسيق مع وكالة الأونروا، لتأمين إحتياجاتهم الحياتية الأساسية"، مؤكدا أن "رعاية شؤون هؤلاء على الصعيد الإنساني هي مسؤولية دولية قبل كل شيء بانتظار إيجاد حل سياسي عادل لقضيتهم ولقضية الشرق الأوسط، يضمن حقهم الطبيعي في العودة إلى أرضهم وديارهم الأصلية، ويحول دون أي شكل من أشكال توطينهم في لبنان، وفقا لمندرجات المبادرة العربية للسلام، ولما ينص عليه الدستور اللبناني وما تقتضيه مستلزمات الوفاق الوطني".  

السابق
الأنوار: البابا: التعايش اللبناني مثال للعالم
التالي
الأخبار: البابا في لبنان: المسيحيون ليسوا درجة ثانية