إحراج أميركا أم ثورات الربيع العربي ؟

ليس لدى الذين موّلوا وأنتجوا وأخرجوا وروّجوا فيلم براءة الاسلام أية براءة في الأهداف. فهي أهداف شريرة بكل المقاييس السياسية والطائفية والاجتماعية. وهم كانوا يعملون، عن قصد، ويعرفون، بالرصد، ما ستحدثه الإساءة الى الاسلام من ردود فعل غاضبة. فالمنطقة لم تكتمل فيها التحولات التي بدأتها ثورات الربيع العربي ولا تزال في مرحلة حرجة تشدها قوى الى الأمام وقوى أخرى الى الوراء. مرحلة انتقالية من أنظمة أمنية استبدادية موالية لأميركا الى أنظمة مفتوحة تديرها أحزاب إسلامية متفاهمة مع أميركا، لا تستطيع أن تتجاهل الحرية ومطلب الدولة المدنية، ولا أن تقاوم إغراء الذهاب الى الدولة الدينية، ولا أن تواجه التيارات السلفية والأصولية المتشددة. والتوقيت مشبوه في الذكرى ال 11 لأحداث 11 أيلول الإرهابية في واشنطن ونيويورك.

ولم يكن ما حدث في العواصم العربية والإسلامية سوى ما توقعه وأراده صانعو الفيلم: هجوم المتشددين على السفارات والقنصليات الاميركية. والشيء الوحيد الذي جاء بالوقائع معاكساً لتوقعاتهم هو تلاقي الأزهر والكنيسة ومشاركة المسلمين والأقباط في استنكار الفيلم وإدانة الهجمات على مَن ليس لهم علاقة به. فليس مقبولاً أن يُساء الى النبي محمد ومشاعر المسلمين والى كل الأنبياء والرسل. والغضب حق طبيعي. لكن ترجمة الغضب على الاساءة باعتداء على من هم في حماية الدول العربية ليست مقبولة أيضا ولا معقولة.
والأخطر هو ان تتمكن مجموعة أشخاص تافهين أو خبثاء أو متطرفين يعيشون في أميركا من أن تشعل النار في العواصم والمدن العربية وتحجب بدخانها هموم العالم العربي وقضاياه التي تحتاج الى حلول وطنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.
ذلك ان السلطات وجدت نفسها محرجة ومضطرّة لتقديم الاعتذار الى أميركا دولة وشعباً، وبالطبع لمواجهة مهاجمي السفارات بالقنابل المسيلة للدموع. والمجموعات المتطرفة ليست الوحيدة التي تكره أميركا. فلا أحد يحب امبراطورية، الأقوياء في بلدان أقل منها قوة يحسدونها. والضعفاء في بلدان ضعيفة يحقدون عليها. لكن الذين هاجموا السفارات لم يواجهوا الهيمنة الأميركية في مواقعها. ولا واجهوا الاستبداد الداخلي. ولا قاتلوا الاحتلال الاسرائيلي في ساحات الأرض المحتلة. وهم أحرقوا في بنغازي السفير الذي ساعد الثوار ضد القذافي، بحيث استطاعت الوزيرة هيلاري كلينتون أن تتساءل: كيف يمكن ان يحدث هذا في المدينة التي أنقذناها من مذبحة على يد القذافي؟
والبعض يسأل عن تأثير الهجمات على أميركا وانتخاباتها الرئاسية لجهة دفعها الى المزيد من التشدّد. لكن السؤال المهم هو عن المضاعفات والانعكاسات على ثورات الربيع العربي وقضايا الشعوب الملحّة.
  

السابق
وفاة المخرج إسماعيل عبد الحافظ
التالي
اتركوها حتى لا تضيع