لا يميز بين الليل والنهار

انطلق الباص من حلبا (عكّار) في اتجاه منطقة المرفأ (بيروت)، مرورا بمدينة جبيل حيث انتظره يوميّا ليقلّني الى مكان عملي في جريدة "النهار".
باص اليوم مميّز اذ الصقت على بابه عبارة "we love Lebanon". دخلت بفخر بعد قراءة الجملة "الوطنيّة"، وجلست على المقعد الأمامي بالقرب من السائق. قبل أن أصل الى المرفأ، طلبت منه كما افعل كل يوم مع غيره من السائقين، أن يمر من امام مبنى جريدة "النهار" حتّى لا أضطر أن أمشي مسافة نحو 200 متر تحت أشعّة الشمس.
وهنا بدأت قصّة عنوانها "we love Lebanon".
أجابني السائق باللهجة السوريّة: "شو نحنا بالليل، اكيد رح وصلك بالنهار!" لا أنكر أن الخوف بدأ يدبّ في جسدي لإعتباري أنّه يمازحني لغاية ما، فأجبته بصوت عال: "جريدة النهار"، "مبنى النهار يا معلّم" لكنّه اعترف أخيرا أنّه لا يعرف عمّا أتكلّم وهو يصل فقط الى المرفأ ولا يعرف أي طريق أخرى.
استفزّني الموضوع جدّا لكنني تمالكت أعصابي وحاولت ان ابتسم له وقلت: "انت أكيد مش لبناني، ما في لبناني ما بيعرف جريدة "النهار" فأجاب: أنا سوري الجنسيّة وسائق والبوسطة منّا الي".
لم تنته القصّة بعد.
لقد دفعتني هذه "الحادثة" الى الاستعلام عن هذا الموضوع لأتأكّد ما اذا كانت هذه صدفة حصلت معي أم انه واقع على الأرض، وللأسف الشديد تبين أنّها لم تكن "حادثة" بل "كارثة": نحو 08% من سائقي باصات خطّ جونية – جبيل ونحو 09% من سائقي باصات خطّ انطلياس – الحمرا هم من الجنسيّة السورية وبعضهم لا يملك اوراقاً ثبوتيّة ورخصة قيادة.
لماذا سائق سوري وليس لبناني؟
طبـــعا لأن السائـــق السوري يقود الباص بـ20 ألف ليرة يوميّا، أمّا السائق اللبناني فلا يرضى بأقلّ من 50 ألف ليرة باليوم.
حنّا الشالوحي من منطقة الكورة (في شمال لبنان) يملك 12 باصاً، ومايك من منطقة عمشيت يملك 5 وكلها يقودها سائقون سوريون. من المشاكل التي تحدث بسبب هذا الواقع "التعس" ما حصل في منطقة شكّا عندما وقع حادث سير بين باص وسيّارة، اذ هرب السائق السوري وترك الباص بمن وما فيه، وترك المسؤولية تقع على عاتق صاحب الباص.
لا نطلب سياسيين يصعدون في الباص مدّة 10 دقائق لتصوير اعلان تلفزيوني يشجّع الناس على ركوب سيارات النقل العام بل نريد سياسيين يسهرون على واقع النقل العام وسائقين لبنانيين يعرفون الليل من "النهار"… 
 

السابق
الحريري ينتقد تورّط حزب الله في سوريا
التالي
فارس لا يحتاج إلى جراحة في القلب