سيادة!

بصرف النظر عن الدوافع الحقيقية والمفاجئة التي حَدت بالدولة لتستفيق على مهماتها وتلاحق الخاطفين والمطلوبين وتحرير المخطوفين، وبقطع النظر عن دخولها المشكور إلى مناطق غالباً ما ظنّ الشعب اللبناني أنها عصية عن الدولة، لا بد من التأكيد أن هذه الخطوة مفصلية ومهمة وتتطلب متابعة حثيثة من دون التراجع قيد أنملة.

إنّ مفهوم السيادة لا يتجزأ، وممارسة الدولة وظيفة السيادة يُفترض أن تكون خارج النقاش الذي يمكن أن يُحصر في طريقة تحقيق الإجماع حول هذه الوظيفة وتحصينها، وليس في سُبل المشاركة في ممارستها. وإذا كان هذا المفهوم ينطبق على الأطراف الخارجية، فمن باب أولى أن يناقش في طريقة تطبيقه إزاء الأطراف الخارجية أيضاً.

لطالما انتهكت إسرائيل السيادة اللبنانية من منتصف الستينيات وحتى يومنا هذا، فاجتاحت لبنان مرات ومرات، وخرقت حدوده البحرية والبرية والجوية بصورة شبه يومية، ودمّرت بُناه التحتية ومرافقه العامة. واليوم، يتعرض لبنان أيضاً لانتهاكات في سيادته من النظام السوري بسقوط القذائف في القرى اللبنانية، ما يؤدي إلى مقتل ضحايا من المدنيين الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم من أبناء المناطق المحاذية للحدود السورية.

ولا تقتصر الانتهاكات السورية للحدود اللبنانية على هذين الأمرين فقط، بل تتعداهما إلى خطف مواطنين من داخل الأراضي اللبنانية ونقلهم إلى سوريا، وما إلى ذلك من أعمال لا تتفِق مع احترام الدوَل وسيادتها.

لطالما وضع لبنان دائماً بين معادلتي سوريا وإسرائيل، فكلّ من ليس مع سوريا هو حكماً مع إسرائيل، وكلّ من ليس ضد إسرائيل ليس مع سوريا، وتنطلق بعد ذلك حفلات التخوين والتخوين المضاد بما يتناقض مع المنطق الطبيعي للشراكة الوطنية. اليوم، المقارنة بين ما قامت به إسرائيل وما يقوم به النظام السوري يفضي إلى خلاصات متقاربة جداً.

لا يمكن للمواطن اللبناني أن يرفض انتهاك السيادة من إسرائيل وأن يقبلها من النظام السوري، فهذا يخالف المنطق ويحوّل فهمنا كلبنانيين لمفهوم السيادة بشكل مجتزَأ ومنقوص، لا بل قد يكون مشوّهاً. فانتهاك الأرض لا يميّز بين جنسيات المنتهكين، ولا يفترض به أن يعطي أسباباً تخفيفية لهذا الطرف المنتهك أو ذاك.

إذا كان الانتهاك الإسرائيلي للسيادة اللبنانية مرفوضاً ومُداناً بكل المقاييس، لا سيما أنه يتلاءم مع الطبيعة العدوانية لإسرائيل ورفضها التاريخي النموذج اللبناني في الديموقراطية والتعددية، إلّا ان ذلك لا يلغي أن النظام السوري أيضاً ينتهك السيادة اللبنانية، وهو مرفوض ومدان بالقدر ذاته.

والى كلّ الذين قد يعتبرون أن استنهاض الدولة هو مسألة ظرفية، ويتمّ حصراً عند الحاجة لها، فهذه مقاربة خاطئة، والمهم ألّا تكون كلفة إدراكها باهظة لدرجة جَرّ البلاد مجدداً نحو مغامرات إلغائية مستحيلة، فنكون قد سقطنا مرة أخرى في دوّامة الحرب بما يتطابق مع مصالح إقليمية ودولية ويناقض المصلحة الوطنية اللبنانية.

الدولة مدعوّة إلى أن تكون دولة في كل الميادين، مِن منع التدخين إلى صد الاعتداءات الإسرائيلية أو الخروق السورية. ولا بديل عن الدولة سوى الدويلات والتفتت والاقتتال.

وإنّ العودة إلى تلك الحقبة مرفوضة، ثم مرفوضة، ثم مرفوضة
 

السابق
عودة الدولة إلى جبل لبنان
التالي
عمل مُدبّر