الجيش..فرصة الحكومة الأخيرة

نشطت الدولة دفعة واحدة. تحرك الجيش في المناطق التي كان يعتقد أنها خارجة عن السيطرة، في حين اثبتت أنها تواقة للنظام والقانون ولا تنتظر شيئاً غير ذلك، لا سيما في الوقت الذي تسعى فيه مناطق أخرى للالتفاف على الدولة ومحاولة ضرب الجيش والتشكيك بقدرته وتوجهاته خاصة في منطقة الشمال.
ما جرى في الضاحية الجنوبية لبيروت لم يكن وليد اتفاق امني، ولا سيناريو مركب من قبل الجيش ومخابراته، من أجل إطلاق المخطوفين السوريين والتركي الذي صار بين أهله في بلاده، ولكن كان نتيجة مباشرة لقرار سيادي امني له ابعاده السياسية في الداخل والخارج.
الخطوة التي خطاها الجيش في الضاحية وسلسلة المداهمات التي نفذها جاءت بناء على إشارة القضاء المختص، لكنها في الحقيقة تعكس أجواء مفتوحة بين الحكومة من جهة والأطراف السياسية التي انتجتها في 13 حزيران 2011 من جهة ثانية، اي بعد حوالى ستة عشر شهراً على ولادتها، في حين شكل أداء رئيس الحكومة خلال تلك الفترة علامات استفهام كبيرة حول التوجه الذي يحاول أن يعتمده في ملفات خطيرة وشائكة داخلياً وإقليماً ودوليا،ً فما قام به الرئيس نجيب ميقاتي منذ توليه سدة المسؤولية الحكومية أظهر انحيازاً كاملا للفريق الذي رفض منحه الثقة، وأعلن معارضته له وتوعده في اكثر من مناسبة الى حد تهديده بالعزلة طائفياً ومذهبياً، وهو ما أرعب رئيس السلطة التنفيذية الذي عمل جاهداً على استرضاء «جماعته» قبل أن تصل بها الامور الى حد التكفير والطرد من «الملة».

ما حصل من تطور في عمل الأجهزة الأمنية والعسكرية كان ردة فعل مباشرة على دعوات وجهها حزب الله وأمينه العام في خطب وبيانات عدة عبّرا خلالها عن عدم مسؤوليتهما عن التدهور الأمني والفلتان اللذين بدآ يعصفان بالبلاد بعد السكوت الرسمي على محاولات المسّ بالاستقرار والذي بدآ من مسقط رأس رئيس الحكومة الذي وقف عاجزاً عن وضع حلول لمنطقته وصولا الى عدم قدرته على فرض وجود الجيش هناك، بالرغم من كل الضغوطات التي مورست لتسهيل مهمته، إلا أن التساهل الذي أبداه ميقاتي منذ لحظة اعتقال شادي المولوي على يد الأمن العام اللبناني، والطريقة التي تعامل بها لتفادي ما يعتقده إبن طرابلس «الحكومي» مأزقاً أكبر قد جعل من تلك المنطقة عنواناً لضرب الدولة وكسر هيبتها وذلك خدمة لأغراض خارجية وتسهيلاً لمحاولات النيل من الدولة في سورية، تمهيداً لضرب العلاقات اللبنانية – السورية المميزة.

يقول الراسخون في الأمن والاتصالات السياسية في قوى الأكثرية، إن رئيس الحكومة أبلغ بأنه لن يصار الى السكوت بعد اليوم على أي تقصير أمني أو سياسي من قبيل التذرع النأي بالنفس لا سيما في المفاصل الأساسية التي تمسّ جوهر المشروع السياسي الذي اختير ميقاتي على اساسه، وكان في طليعة ذلك «المذكرة» التي رفعها حزب «المستقبل» الى رئيس الجمهورية وتالياً الى أركان الدولة التي يمثل ميقاتي عصبها الرئيسي، فكان أن فتح الباب على جملة من الشروط القاسية التي ابدى رئيس الحكومة استعداده للتجاوب معها وفي مقدمها عدم افساح المجال أمام الطعن بالعلاقات اللبنانية – السورية والتصدي لمن يحاول العبث بالإتفاقات بين البلدين لإسقاطها، وذلك لما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين.

ويشير هؤلاء الى أن مجرد السكوت الحكومي وتحديداً من رئيسها على ذلك و»النأي بنفسه» حتى عن التعليق على الأمر قد تكون له تداعيات جمة، لا سيما وأن معظم القضايا تخضع لعمليات جس نبض قبل اعتمادها بنداً اساسياً على جدول أعمال يرتبط بالعديد من الاستحقاقات الداهمة.

ويضيف الراسخون أن الاتفاق جرى على تفعيل دور الجيش «الأمني» قبل الزج به في أية عملية عسكرية من خلال تفعيل دور جهاز استخباراته وإعطائه المساحة الكاملة للتدخل حيث يجب أن يتدخل واستناداً الى معطيات كاملة وفعالة، كما حصل في منطقة الرويس في الضاحية بقضية المخطوفين لدى آل المقداد، وما سيستتبع ذلك على صعيد دور الدولة الكامل في حل قضية المخطوفين اللبنانيين في سورية عبر عمليات استخبارية منسقة بين المخابرات اللبنانية يلعب الدور الرئيسي فيها المدير العام للأمن العام اللبناني مباشرة مع رئيس جهاز الاستخبارات التركية.

جرعة الدعم واستعادة هيبة الدولة التي سقطت في الشمال ستمنح مجدداً لرئيس الحكومة انطلاقاً من الضاحية المتهمة بقلة الأمن والخروج على القانون، ولكن بشرط عدم التغاضي عن أي فعل لاية جهة في اي مكان من لبنان حرصاً ليس على الحكومة فحسب، وإنما على البلد برمته على ابواب نهاية السنة الجارية الحافلة بمفاجآت اقل ما فيها تغيير مجرى رياح المراهنين على سقوط الدولة في سورية.   

السابق
الإبراهيمي يصل اليوم سوريا.. والقصف مازال مستمرا
التالي
عودة الدولة إلى جبل لبنان