هل اعتقال المتهمين بات مُمكناً؟

كأنّ لبنان اليوم لا يشبه لبنان منذ أسبوعين، إذ إنه في حين تعالت الأصوات ناعية الدولة ووجودها على أثر انفلات الأوضاع بشكل غير مسبوق، تبَدّلت الوقائع فجأة بعودة هَيبة الدولة وفعاليتها على الأرض.

مَن تسنّى له متابعة المؤتمرات الصحافية المتتالية للجناح العسكري لآل المقداد، واشتعال الساحة الطرابلسية، ظنّ للوهلة الأولى أنّ لبنان انزلق مجدداً إلى الحرب الأهلية، خصوصاً أن الدولة بكلّ مؤسساتها ظلّت في غرفة العناية الفائقة لأكثر من 48 ساعة على انطلاق هذه الأحداث، ولم يصدر عنها أيّ موقف يؤشّر إلى قدرتها على إعادة الإمساك بالوضع وتطمين الناس على أمنهم ومستقبلهم، حتى أن القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء بقيت حبراً على ورق لأكثر من أسبوعين.

وفي موازاة هذا المشهد الذي يعكس واقع الحال في لبنان بسبب سلاح "حزب الله" الذي يحول دون قيام الدولة ويشكّل المبرّر للفلتان والذريعة للتسلّح، استعادَت هذه الدولة، بشكل مفاجئ وغير متوقّع، هيبتها وقدرتها على ممارسة سلطتها في غير قضية وعنوان، أبرزها:

أولا، تطويق شعبة المعلومات مركزاً للحزب السوري القومي الاجتماعي في شارع الحمراء، ورفضها فكّ الطوق قبل تسليم عناصر القومي الذين اعتدوا على دورية لقوى الأمن، وقد نجحت، ليس فقط في توقيف المعتدين، إنما في اختراق هذه البؤرة الأمنية التي نشأت بفعل أحداث 7 أيار وتحوّلت إلى نسخة طبق الأصل عن الضاحية الجنوبية.

ثانيا، اتخاذ إجراءات مشددة وصارمة للجيش اللبناني في طرابلس بالردّ على مصادر النيران من أي جهة أتت، وقد أدّت هذه الإجراءات إلى فرض هدنة طويلة الأمد.

ثالثا، إصدار استنابات قضائية بحقّ كل من يظهره التحقيق من آل المقداد مشاركاً في عمليات الخطف، وما استتبعها من ترجمة عملية عبر الدخول إلى شارع هذه العشيرة في قلب الضاحية الجنوبية، وتنفيذ حملة مداهمات "طويلة عريضة" أفضَت إلى توقيف عشرات المتورطين في الأعمال المُخلّة بالأمن.

رابعا، توقيف شبكة أو عصابة في طرابلس كانت تعمل على خطف المعارضين السوريين.

خامسا، الذهاب في ملف الوزير السابق ميشال سماحة إلى النهاية، والتعامل مع المعطيات التي تتوافر كما هي، بمعزل عن الشخصيات التي يمكن أن تطالها، وهذا ما حصل تحديداً مع تقديم شعبة المعلومات أدلة تثبت أنّ اللواء جميل السيّد كان برفقة الوزير سماحة، وذلك بمعزل عمّا سيقوله القضاء في هذا الموضوع.

فالمقصود من وراء ما تقدّم، أن الجيش والقوى الأمنية تتصرّف وكأن ليس هناك من خطوط حمر على عملها وأهدافها، الأمر الذي استوجب طرح جملة من التساؤلات، هنا أبرزها: هل نجاح الدولة في توسيع مساحة نفوذها مُتأتّ من ضعف الأجسام الملتحقة بالنظام السوري نتيجة الثورة السورية؟ وهل هذه المساحة مرشحة للاتساع مع الانهيار المرتقب لهذا النظام؟

وما صحة المعلومات المتداولة من أن "حزب الله" قرر رفع الغطاء عن الأجنحة السورية في لبنان ليس تخَلّياً عن دعمه الأعمى للنظام السوري في معركته ضد الثورة، إنما رفضاً لتوريطه لبنانياً في فتنة مذهبية، خصوصا أنه لم يكن باستطاعة القوى الأمنية اتخاذ الإجراءات المعلومة لولا غطاء هذا الحزب؟ وأين يمكن وضع هذا التقاطع في المواقف بين رئيسي الجمهورية والحكومة في التشَدّد سورياً وتَرييح "حزب الله" حكومياً؟

وهل خشية الحزب على الحكومة هي وراء مَدّها بالأوكسيجين لتتمكن من الاستمرار بعد أن تنامت إليه أجواء عن توجّه الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي إلى الطلب من ميقاتي الاستقالة مع تحوّل حكومته إلى عامل عدم استقرار، خصوصاً أن بقاء هذه الحكومة هو مسألة استراتيجية بالنسبة إلى "حزب الله" غير خاضعة للمساومة؟

وهل خشية الحزب أيضاً من اندفاع المعارضة نحو التفلّت من هَيمنته المركزية إنْ عبر إنشاء مطار القليعات، أو دفع المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤوليته من جرّاء نجاح النظام السوري بتصدير أزمته إلى لبنان وتحوّله إلى عامل تفجيري على مستوى المنطقة، الأمر الذي قد يدفع هذا المجتمع إلى نشر قوّاته على طول الحدود اللبنانية-السورية، ما يسبّب عزلة للحزب ومحاصرته، وبالتالي هل هذه الخشية هي الدافع وراء تسهيله مهمة القوى الأمنية وتلميع صورة الحكومة لدى المجتمع الدولي مَنعاً لخطوات مماثلة؟

ويبقى أخيرا، وفي السياق نفسه، هل يمكن أن يستفيق الشعب اللبناني على خبر اعتقال المتهمين الأربعة في اغتيال الرئيس الشهيد الرئيس رفيق الحريري الذين اعتبرهم الحزب أيقونات مقدسة وأكّد أمينه العام بمعنى من المعاني أنه لا يمكن توقيفهم ولو بعد مرور 300 سنة؟

وما الذي يحول دون مداهمة القوى الأمنية مراكز وجود هؤلاء الأربعة، علماً أن كل الترجيحات تشير إلى وجودهم في الضاحية الجنوبية؟ وهل ما ينطبق على جماعة سوريا في لبنان لا ينسحب على جماعة "حزب الله" أقلّه في الوقت الحاضر؟ وهل الضمانة بعدم المساس بأمن ما يسمّى المقاومة هي دائمة أو مؤقتة تِبعاً للتحولات السياسية؟

وألا يعتبر الحزب أن استمرار المقاومة شَرطه وجود بيئة غير مستقرة ومتفلتة من كل الضوابط الدَولَتية، وهذا ما طبع تحديداً ممارسة "حزب الله" طوال السنوات الماضية تبريراً لاستمرار سلاحه؟ وألا يخشى أخيرا من أن تنسحب عدوى تمَدّد الدولة وفرض هيبتها على مبرر وجوده، لأنّ ذريعته للاحتفاظ بسلاحه تستند إلى ضعف الدولة، وبالتالي فإنّ قوّتها تستدعي حُكماً تفكيك منظومته الميليشياوية؟

ويبقى السؤال المركزي، ألا وهو: هل ما تحققه الدولة من إنجازات أمنية مرشّح للاستمرار والتوسّع أم انّ البلاد ستشهد انتكاسة قريبة تعيد الأوضاع إلى نقطة الصفر؟  

السابق
انقلاب جبران باسيل
التالي
الله يستر على عرضكم .. لا تنادوني بشّار