قيم الممانعة..

حطّمت الممانعة الحديثة اللبنانية والسورية من ضمن ما حطّمته في دنيا العرب، نظاماً متكاملاً من القيم في اللغة والخطاب والأداء الفوقي المتمّم لأدائها التحتي المتصل بالاستبداد وآلياته ووسائله وعدّته.
والأمر لشدّة صلافته وحدّته، مميّز واستثنائي، حتى في سياق منظومة العنف وثقافته التي على أساساتها بنى أهل تلك الممانعة سلطتهم. وعزّزوا الامساك بنواصيها ونواحيها. وحاولوا منع الضوء والهواء عن كل ما يمكن أن يهدّدها، أو يتطلع الى أن يهدّها ويسوّيها بالتراب.

في ذلك الأداء، تصير كل بديهة التباساً. وكل مكرمة موضع شك. وكل آية حسنة موضع شيطنة. وبمعنى أوضح، إذا أمكن: لم يكتف أهل تلك المنظومة بإشاعة الشتيمة باعتبارها موقفاً سياسياً. والابتذال باعتباره بياناً حزبياً. والسوقية والفظاظة باعتبارهما زبدة المجادلة والمحاججة، بل طوّروا أداءهم باتجاه ممارسة وقاحة توصيفية لا يقدر عليها إلا من افترض ويفترض انه أكبر من حقائق هذه الدنيا وبديهياتها، إن لم يكن مشاركاً في خلقها!!

ويمكن أن يُقال من جديد، إن في التزوير شيئاً من الإبداع السلبي. وفي الوقاحة شيئاً من الشجاعة في غير موضعها. غير أن في منظومة الممانعة: التزوير الوقح، بدائي وجبان عدا عن كونه وليد سياسة متكاملة صنوها القتل والتدمير وإشاعة الخراب وتعميمه على دول وشعوب برمّتها، في ماضيها وحاضرها ومستقبلها.
ولا يهتم أصحاب تلك الممارسة لأي حكم متأتٍ من السياسة أو الأخلاق أو الضمير. إنما زبدة التركيز قائمة على "تبليغ" الموقف، في كل مجال وشأن وبأي طريقة ممكنة، من دون حدود أو ضوابط أو موانع، ولا يهم الباقي!

اعتمد بشّار الأسد تلك الممارسة في جرائمه اللبنانية. وفي نكرانه لحراك الثورة السورية. واعتمدها الإيرانيون (بالمناسبة) في الكبيرة المتّصلة بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وفي الصغيرة المتصلة بترجمة خطابي الرئيس المصري أحمد مرسي، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في قمة عدم الانحياز الأخيرة.. واعتمدها ويعتمدها الفصيل اللبناني في ذلك الجيش محلياً ودائماً. وفي ظنّ أصحابه أن الربح في معارك متفرّقة يوصل الى ربح الحرب الأخيرة. وان كثرة الضجيج وتعلية الصوت، وتوطية الأداء باستخدام العنف الناري، يمكن في المحصلة أن يُجندل الحق ويبخّس قدسيته ويصدع أهله!

تفاصيل تلك الارتكابات تكفي دولاً أكبر من لبنان بمئة مرة، وأكبر من سوريا، بمئتي مرّة، لكن "أوضحها" مثلاً (وراهناً) أن الخالد رفيق الحريري قضى على أيدي أهل بيته! وان هُسام هُسام هرّبته "شعبة المعلومات" من لجنة التحقيق الدولية الى دمشق! وان "فتح الاسلام" كانت اعتداءً موصوفاً على الجيش السوري الباسل! وان صورة ميشال سماحة وصوته واعترافاته في المذبحة الفتنوية التي كُلّف بها من أسياده في سلطة الأسد إنما هي توليفة وفبركة استخباراتية غربية من أولها الى آخرها!

أحد أساطين تلك المدرسة، لا يكفّ عن ادّعاء الذكاء فيما هو متذاك، في أحسن الأحوال! ووقاحته عيّنة مُثلى عن تلك المدرسة الفريدة والاستثنئاية يحكي عن الدولة وتربيتها، والقانون وسطوته، والأمن ومدارسه، فيما هو من هو: رمز من رموز تكسير الدولة لصالح الدويلة. وتدمير مؤسساتها لصالح أسياده الأسديين، ومعس القانون لصالح ارتكاباته وفبركاته وطموحاته. وشرشحة الامن الشرعي لصالح كيديته وأحقاده. ومصيبته الأكبر، انه لا يزال يفترض أن معلّمه الدمشقي هو محور الكون، غير منتبه أبداً، الى أنه ومعلّمه صارا في مكان، والكون كلّه في مكان آخر!
  

السابق
وهاب: مسألة السيد سخيفة
التالي
نتنياهو يهاجم اميركا.. ويصر على ضرب ايران