الله يستر على عرضكم .. لا تنادوني بشّار

بعد مرور أكثر من 18 شهراً على بداية الانتفاضة السورية، وبعد أن شهد السوريّون ويلات القصف والخطف والتعذيب على عديد الأيّام التي طالبوا فيها بالحرّية، فإنّ الشباب السوري لم يعد يخاف صوت المدافع وأزيز الرصاص، ولم يعد يخاف الموت ذبحاً في سبيل تأمين لقمة حرّية لعائلته، وإنّما بات كلّ من اسمه بشّار خائفاً ومشمئزّاً من مناداته بهذا الاسم بسبب كرهه للرئيس الأسد.

عندما أصبح بشّار الأسد رئيساً للجمهورية العربية السوريّة، تهافت العديد من العائلات السورية إلى تسمية أولادهم على اسم الرئيس الجديد بسبب اعتززاهم به، لكن اليوم بات الكثير ممّن يحملون الاسم الأوّل للرئيس المكروه داخل سوريا يخجلون من اسمهم، حتى إنّ بعضهم لجأ إلى تغيير اسمه بالكامل.

عندما تمّ انتخاب بشّار الأسد رئيساً للبلاد عام 2000 خلفاً لوالده حافظ الأسد وبسبب موت أخيه باسل في حادث سير، تمتّع بدرجة عالية من الشعبية بين مختلف أطياف المجتمع السوري المتنوّع. فالرئيس الجديد منح السوريّين بعض الأمل المنسيّ منذ زمن طويل، واعداً إيّاهم بتطبيق إصلاحات في صلب الدولة التي تعاني من نظامها البوليسي "الفتّاك".

وكان معظم الذين يحملون اسم بشّار يفتخرون بمشاركتهم الاسم مع رئيس الدولة الذي يحمل الأمل والتغيير في ثنايا أجندته الرئاسية. وكان أحد هؤلاء الشباب بشّار محمود كابيشو الذي تحدّث الى مجلّة "نيوزويك" الأميركية في هذا الصدد قائلاً: "عندما أصبح بشّار رئيساً، شعرت بالقليل من الغرور، لأنّ الجميع كان يهتف "نحبك يا بشّار"، وأضاف: "في حينها كنت سعيداً، لم أكن أعلم أنّ بشّار سيتحوّل إلى مجرم".

لطالما كان بشّار إسماً مشهوراً في المجتمعات العربية لما يحمل من معاني إيجابية، بعيداً عن أيّ صلة سياسية أو قومية، لكنّ العديد من السوريّين اختاروا تسمية أبنائهم المولودين حديثاً على اسم الرئيس المنتخب بسبب كلّ الآمال التي كانت معلّقة عليه. لكن اليوم تغيّر الواقع وأصبح مريراً بالنسبة لكلّ من يحمل الاسم، إذ بات اسم الرئيس السوريّ بشّار يُسمع الى جانب صفات "غير حميدة" على غرار المجرم والسارق وإلخ…

ومع تزايد وتيرة العنف بات اسم بشّار يخسر من شعبيته وهيبته بشكل صاروخي، حتى إنّ بعض من يحملون الإسم بدؤوا بتغيير اسمهم، وفي هذا السياق قال الناشط السوري نصرالدين أحمه في حديث إلى مجلة "نيوزويك": "الناس لا يريدون أن تتمّ مناداتهم باسم بشّار بعد الآن، فهناك شعور بالخزي والخجل مرتبط بالاسم، والأمر كما لو تتمّ مناداة أحدهم أسامة في أميركا".

من جهة ثانية، الشاب الحلبي محمد ظلّ اسمه بشّار إلى حين إعلانه على صفحة "فيسبوك" عن تغييره الاسم. ومحمد هو طالب جامعي ومشارك دائم في جميع التظاهرات المناهضة للنظام الحاكم، لكنّه يتذكّر بحسرة كلّ اللحظات التي سمع فيها اسمه ممزوجاً بالشتائم في التجمّعات الشعبية التي ملأت شوارع المدينة، وكان يسمع أصدقاءَه يهتفون "إرحل يا بشّار" لكنّهم سرعان ما يلتفتون اليه قائلين: "لا نقصدك أنت وإنّما بشّار الأسد، أمّا أنت فيمكنك البقاء"، لكنّه في النهاية سئم من الوضع وأعلن أمام الجميع أنّه قرّر تغيير اسمه وطلب منهم أن ينادوه محمد".

وإذا نظرنا الى الثورات التي اجتاحت العالم العربي في السنتين الماضيتين، نرى أنّ الثورة السورية تختلف عن نظيراتها في مصر وليبيا، ليس فقط بكمّية القصف والقتل والتهجير، وإنّما أيضاً في مسألة الأسماء والشعارات.

الشعبان المصري والليبي اللذان أطاحا النظامين الحاكمين كانوا يهتفون ضدّ مبارك والقذافي وليس حسني ومعمّر، أمّا في سوريا فإنّ الغضب الشعبي مُنصبّ بكامل طاقته على بشّار وليس على الأسد، وحتى بعد سقوط معمّر القذافي في ليبيا، أفادت وكالة "رويترز" أنّ المعارضين السوريّين كانوا يهتفون "باي باي قذافي، وجايي دورك يا بشّار".

وفيما تشكّل عائلة الأسد قسماً من الطائفة العلوية التي تعتبر أقلّية في سوريا، اختارت الكثير من العائلات السورية إطلاق اسم بشّار على أولادها طمعاً منها في تسهيل امورها مع النظام الحاكم. هذا وشرح الناشط أحمه قائلاً: "إنّ تسمية ابنك بشّار هو كتسميته محمد، فهذا كان اسماً مقدّساً في سوريا، ويمنحك الكثير من الاهتمام الإيجابي".

وقضية إسم بشّار في سوريا ليست سوى صورة مصغّرة عن مشكلة أكبر ومتشعّبة في بلدان الشرق الأوسط التي تنام وتصحو على خلافاتها الطائفية والمذهبية، فكلّ علي من الفرات الى النيل لا يمكن أن يخفي قلقه من اسمه في ظلّ تصاعد نشاط الحركات الأصولية السنّية، وكلّ مسيحيّ مصري يعيش وفي قلبه خوف من مستقبل الأقباط في مصر.

فلا ينفع أن نغيّر أسماءنا ونحافظ على أحقادنا، وإنّما ينبغي علينا كسر أجنحة الأنظمة التي تحيا في تفرقتنا وتخاف من أيّ مسعى نبذله للالتقاء.  

السابق
هل اعتقال المتهمين بات مُمكناً؟
التالي
التجارة بالدين