الجمعيات الأهلية في صيدا: خدمات واسعة لكنها ليست الحل

في ظل غياب سياسة للسلطة اللبنانية تتعلق برعاية الأُسر المحتاجة، ينشط عدد من الجمعيات الأهلية في مدينة صيدا لتقديم، ما يمكن تقديمه، لتلك الأُسر، مما يؤمن لها حداً أدنى من الرعاية الغذائية والصحية، ولكن هل هي الحل؟ وما هو دور السلطة الرسمية؟
عند مدخل مكتب صندوق الزكاة في صيدا، طلبت سيدة مسنّة من أحد الشباب مساعدتها يحمل علبة مساعدات تموينية إلى سيارة الأجرة التي تنتظرها خارجاً. هذه السيدة هي واحدة من آلاف يستفيدون من تقديمات الجمعيات الأهلية في المدينة.

دراسات عن الفقر
تشير دراسة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي صادرة عام 2007 إلى أن 8% من السكان اللبنانيين أي نحو 300 ألف شخص غير قادرين على سد حاجاتهم الأساسية من الغذاء وغيره. وأن 5،28% من السكان دون خط الفقر، أي أن دخل الفرد منهم لا يتجاوز 4$ يومياً. وتشير دراسة أعدتها وزارة الشؤون الاجتماعية بعد حرب تموز 2006 إلى أن 5% من السكان يعانون من فقر مدقع و25% من فقر نسبي و60% من حرمان وأن 37% من سكان الجنوب يعانون من الحرمان.

تقديمات الجمعيات في صيدا
تختلف التقديمات من جمعية إلى أخرى، فيقول رئيس المجلس الإداري لصندوق الزكاة المهندس سمير المجذوب: "تقدم مساعدات نقدية شهرية، يضاف إليها في شهر رمضان مساعدات عينية من أكل وملبس وبعض الأدوية". إلا أن تقديمات الهيئة الإسلامية للرعاية متنوعة وتتضمن أكثر من مجال، يوضحها المدير التنفيذي للهيئة مطاع مجذوب قائلاً: إننا نقدم كفالة لليتيم في منزله وهي عبارة عن مبلغ مالي شهري لعائلة اليتيم وكفالة تعليمية وتربوية وصحية لليتيم نفسه. ويضيف: وفي شهر رمضان نقدم إفطاراً لـ9930 صائماً. واستفادت 478 أسرة من حصص غذائية و1131 يتيماً من كسوة عيد. ولا تقتصر تقديمات الهيئة على هذه المساعدات، فلديها برامج للتقوية المدرسية ومحو أمية ونشاط كشفي وصيفيات أطفال، تعليم مهن". ويشير مجذوب إلى برنامج القروض الميسّرة الذي يستهدف أمهات المكفولين والمعوقّين لتأمين فرص عمل لهم.
كذلك تنشط جمعية الاستجابة في مجال كفالة اليتيم ويشرح ذلك رئيس الجمعية نديم حجازي: نلتزم بتقديم مبلغ مالي شهري لكل يتيم يجري التحقق من حاجته، بالإضافة إلى مساعدات في مناسبات مختلفة مثل العيد، كسوة العيد، إفطار للصائمين. كذلك نقدم مساعدات غير دورية للفقير المحتاج والمريض المحتاج، والطالب المحتاج، كلها فئات يجري التحقق من أوضاعها ومساعدتها حسب ورود المساعدات "وكل صندوق مستقل عن الآخر". وقبل إنشاء صندوق الزكاة كانت "جمعية جامع البحر"، تقدم مساعدات مالية شهرية للأُسر المحتاجة. أما الآن فيقول رئيس الجمعية طه القطب: نقدم مساعدات بالمناسبات وحسب توفر المال وخصوصاً في رمضان والأعياد وفق إحصاءات موجودة لدينا تجدد سنوياً.
أما جمعية "أهلنا" تقدم مساعدات على ثلاثة مستويات اجتماعياً، تربوياً واقتصادياً، توضحها رئيسة الجمعية سحر الجبيلي: نقدم حصصاً غذائية وحليباً للأطفال ونرعى الأطفال الأيتام ونعطي حفاضات لأصحاب الحاجات الإضافية وفي رمضان نساعد مادياً ونؤمن ملابس العيد وإفطارات الأطفال وإلى جانب ذلك لدينا برامج تقوية مدرسية، نشاطات تثقيفية وقروض جامعية ونحاول تأمين فرص عمل داخل الجمعية وخارجها.
كذلك تتنوع تقديمات "جمعية المواساة" حسب أقسام الجمعية، تقول المديرة التنفيذية مي ماسيني: لدينا كفالة اليتيم في معهدنا التقني للفتيات وتستفيد من الكفالة الطالبة اليتيمة بعد التحقق من وضعها. ونعالج المرضى الأيتام مجاناً في مركزنا الصحي، ولدينا مشروع الطب المدرسي من خلال معاينة وتقديم خدمات لطلاب المدارس إلى جانب تقديمات عينية أخرى، وفي شهر رمضان نقدم إفطاراً لـ500 عائلة من صيدا والجوار بمعدل أربعة أيام أسبوعياً إلى جانب وجبة العيد، كذلك ننظم إفطارات لأطفال أيتام في صيدا القديمة.

حجم الفئة المستفيدة
تستفيد من تقديمات صندوق الزكاة 1295 عائلة، يلفت المهندس المجذوب إلى أن "بينهم نحو 300 فلسطيني وسوري ومصري من المقيمين في مدينة صيدا وعلى هذه العائلات ملء استمارة مع وثائق رسمية، بعدها يتحقق الصندوق من المعلومات قبل تقديم المساعدات الشهرية الدورية.
ويتعدّى عدد المستفيدين من تقديمات الهيئة الإسلامية للرعاية ثلاثة آلاف عائلة. واستفادت 602 أسرة من مشروع القروض الميسرة فحسب، وأن الهيئة تدرس حالة كل طالب مساعدة في المجالات المختلفة قبل إقرارها والاستفادة من التقديمات". حسب ما يقول مجذوب.
ويوضح حجازي: يستفيد من مشروع كفالة اليتيم في جمعية الاستجابة نحو 3000 يتيماً ننظِّم تقارير دورية عن أوضاعهم وترسل هذه التقارير إلى الكافل. أما عن التقديمات الأخرى فإننا نقدم مساعدات مقطوعة في مجالات مختلفة إلى نحو 30 شخصاً شهرياً. ويشرح القطب: لدينا استمارات لنحو 1400 شخص وهي تجدد سنوياً وهذا هو حجم الفئة التي نستهدفها في تقديماتنا.
وتلفت الجبيلي إلى أن حجم الفئة التي تعمل معها جمعية أهلنا "ما يقارب 1700 عائلة في منطقة صيدا ولا سيما في مربعي الفقر الشديد، صيدا القديمة وتعمير عين الحلوة. ويبلغ حجم الفئة المستفيدة من تقديمات جمعية المؤاساة 3000 مستفيداً حسب تعبير حاسبيني.

الأسباب الموجبة لتقديم المساعدات
تختلف الأسباب التي تدفع هذه الجمعيات لتقديم المساعدات فيرى المجذوب أن "ذلك يعود إلى سببين الأول ديني، فإننا نحصل على أموال زكاة من المسلمين وهي فرض ديني نوزعه على مستحقين والسبب الثاني اجتماعي، يتعلق بالأوضاع التي تعيشها العائلات المستفيدة.
ويوافقه الرأي مجذوب عندما يقول: الهيئة الإسلامية للرعاية مؤسسة إسلامية لدينا واجب شرعي أن نساعد المسلمين ومن حولهم. وهذا الواجب الشرعي يجعل المساعدة واجبة لكل الناس وليس للمسلمين فحسب. لذلك نساعد عدداً قليلاً من العائلات المسيحية المحتاجة وقلة المستفيدين منها بسبب قلة الحضور السكاني. وهناك الواجب الإنساني بمعنى التكافل الاجتماعي فعلى الغني أن يساعد الفقير كما القوي يحمي الضعيف.
ويعيد حجازي السبب إلى حاجة الناس. ويوضح ذلك قائلاً: هدفنا العمل الدعووي والتربوي ولكن أثناء العمل برزت حاجة للمساعدات الخيرية مما اضطرنا لتقديمها بطريقة غير مخطط لها. ويشير القطب إلى ضرورة مكافحة الفقر الذي "يؤدي إلى نتائج سلبية إذا لم نكافحه ضمن الإمكانات المتوفرة". وتركز الجبيلي على النتائج السلبية للأزمة الاقتصادية والاجتماعية وهي ما دفعتنا إلى تقديم هذه المساعدات التنموية والخدماتية. وتعيد حاسبيني الأسباب إلى البعد الاجتماعي "جميع المساعدات تقدم لسبب اجتماعي ولا يؤخذ بعين الاعتبار الفئة أو الدين أو الانتماء السياسي".

مصدر المساعدات
يفاجأ المرء عندما يكتشف أن معظم مصادر المساعدات هو داخلي من داخل المجتمع الصيداوي. فصندوق الزكاة يتغذى من مساعدات مقدمة من أهالي صيدا دورياً وتزداد في شهر رمضان. أما مصادر الهيئة الإسلامية للرعاية وحسب ما يقول مجذوب "فإن 40% مصدرها داخلي و60% من خارج لبنان. وتشكل مساعدات كويتية معظم مصادر جمعية الاستجابة وتستفيد من مصادر داخلية قليلة. أما مصادر "المساعدات التي تقدمها جمعية جامع البحر "فإنها داخلية من أهالي المدينة" كما يوضح القطب.
أما في "جمعية أهلنا" فإن مصادر التمويل من الشق الخدماتي هي محلية من حيث تشكل المصادر العربية والدولية أساس المساعدات للمشاريع التنموية، وينطبق ذات الوصف على جمعية المواساة.
أثر المساعدات
ما هو أثر هذه المساعدات على الفئة المستهدفة: يوضح المجذوب: أنها تساعد على تأمين معيشة العائلات المحتاجة فحسب. لكن مجذوب يجيب بسؤال: السؤال الصحيح ما هو الأثر السلبي إذا ما توقفت هذه المساعدات؟ ويضيف: اعتقد أن عدداً من العائلات تستفيد من أكثر من جمعية ومجموع ما تستفيد منه يمكن أن يؤمن الحد الأدنى لمعيشتها.
أما حجازي فيقول: هذه المساعدات لا تغير من حياة المستفيدين، أنها تحافظ على حياتهم فحسب؟ "هي تسد رمق الجوع الذي يحوم فوق رؤوس الناس" يقول القطب وهو ما توافق عليه حاسبيني أيضاً.

هل هي الحل؟
يتفق الجميع أن هذا العمل الخدماتي ليس حلاً لحياة آلاف الأشخاص المحتاجين: "هناك غياب لسياسة رعائية جدية للدولة". ويجب تأمين فرص عمل وقروض إنتاجية كقاعدة للحل "والدولة لا تتعاطى بجدية في الشأن الاجتماعي" نحن جمعية وعملنا صغير جداً، بحاجة إلى سياسة دولة" "وعلى الدولة تنفيذ سياسات اقتصادية واجتماعية وتأمين مصدر رزق لهذه العائلات الفقيرة": هكذا يجيب ممثلو الجمعيات: فماذا تقول مؤسسات الدولة؟

مشروع "حلا"
في 7 آب أعلن عن بدء تنفيذ مشروع "حلا" الذي تشرف عليه وزارة الشؤون الاجتماعية يقول أحد مصادرها: ستقدم للعائلات الأكثر فقراً والتي تم الموافقة على طلباتها أدوية للأمراض المزمنة، طبابة مجانية في مراكز الوزارة واستشفاء كامل على حساب وزارة الصحة، مساعدات بفاتورة الكهرباء تأمين مستلزمات الطلاب في المدارس الرسمية.. فكلّها قضايا تطرح أسئلة حول آلية العمل وكيفية التنفيذ والإمكانات الموجودة فعلياً. يجب مصدر آخر: أن جهة دولية ستتولى تقديم المال اللازم، والمهم الإدارة الجيدة.
وفي صيدا استقبل مركزان للوزارة طلبات العائلات الأكثر فقراً، ففي مركز صيدا تقدمت 777 عائلة بطلبات للاستفادة وفي مركز حارة صيدا 610 عائلات، وتشير المعلومات الأولية إلى أن نحو 50% من هذه الطلبات تمت الموافقة عليها.

رأي اختصاصي
ويشدد أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية الدكتور فؤاد خليل على أهمية دور الدولة في موضوع الرعاية الاجتماعية. ويشير إلى عمل الجمعيات إلى أن "البعد الفعلي لعملها هو إيجاد مسافة بينها وبين الدولة المتقاعسة وأن الخدمات التي تقدمها الجمعيات الأهلية على أهميتها، تتواصل مع الموروث التقليدي من مفهوم الصَّدقة، المساعدة وغيرها.
ويضيف خليل: أن تقديمات هذه الجمعيات ليست حلاً، ولا يجوز النظر إلى مفاهيم الصَّدقة والعطاء بصفتها حلاً لمواطنين لهم الحق في الحياة والعيش بكرامة. والحل هو بإيجاد اقتصاد إنتاجي حقيقي يغني الناس عن المساعدات، بمعنى أن لا يظل أسير مساحة متروكة للموروث التقليدي يلجأ إليها الفقر والمهمَّش.
  

السابق
ميقاتي: لا تهاون مع أي محاولة للاساءة الى السلم الاهلي
التالي
الهجوم على القنصلية الأميركية يفتح ملف الجهاديين في ليبيا