الأزمة السورية في مسار جديد؟

لستُ أزعم أنني تفاءلت كثيراً بتعيين الأخضر الابراهيمي خلفاً لكوفي عنان، فقد كنت أعلم أن آراء الابراهيمي (وعرب آخرين)، كانت وراء ذهاب كوفي عنان إلى روسيا والصين وإيران رجاء إقناعهم بالدخول في مسار المرحلة الانتقالية في سوريا، والإبراهيمي لا ينكر ذلك، لكنه يذهب إلى أنه تأمّل أن يقدر عنان على اجتذاب الأطراف الثلاثة إلى صفّه (في أي صف كان هو والإبراهيمي؟!).

علّة الإبراهيمي والمستشارين السياسيين العرب المحليين والدوليين الآخرين، أنهم نتاج المرحلة الماضية من الجمهوريات العسكرية والأمنية الوراثية. وهي بحكم طبيعتها دويلات وكيانات تابعة، لأن الهدف الوحيد للقائد الأوحد في المرحلة الثانية هو البقاء في كرسي السلطة، ولذا يسارع إلى شتى التنازلات تجاه الولايات المتحدة وتجاه جواره الإقليمي (في هذه الحالة اسرائيل). وعندما يذكر المعلّقون الإبراهيمي، يذكرون أنه ابن الثورة الجزائرية، ودبلوماسي دولي محترف. وهو ذو خبرة بالفعل، لكنه ليس وريث الثورة الجزائرية، بل هو ابن رحلة العسكريين العرب، الذين ليس في تاريخهم أو تاريخ اكثرهم شيء غير المذابح ضد شعوبهم، وبخاصة في الجزائر وسوريا وليبيا. ولست أقصد بذلك أنه شارك لا سمح الله في سفك الدم الجزائري عندما كان وزيراً للخارجية بالجزائر، لكنني أقصد أنه اعتاد على «شرعية» العسكريين وطرائقهم في الحفاظ عليها، واعتاد على تعامُل الجزائر مع إيران باعتبارها مقدّمة على السعودية ومصر، والجزائر وسيط بينها وبين الولايات المتحدة وأحياناً روسيا، ونسي أخيراً قوة الشعوب وأنِسَ إلى «الاستقرار» الذي يحققه العسكريون العقلانيون والتقدميون!.

بدأ الإبراهيمي مهمته بتصريحات عامة وغامضة تذكر أن المهمة صعبة بل شبه مستحيلة. وأنه لن يسير على نهج عنان. وأنه يريد مصلحة الشعب السوري. وما كنت مسروراً بتلك التصريحات أيضاً. فقد كنت أنتظر منه لا أن يعمل نفسه ثورياً ضد الأسد، بل أن يعلن عن الهدف الحقيقي والباقي: إيقاف العنف وإنهاؤه! وإن لم يستطع ذلك خلال شهر أو شهر ونصف فسيعتذر، وسيُسمّي مَن حال دون تحقيق ذاك الهدف! وكنت سوف أعذره لو قال إنه ذاهب إلى أقاصي الدنيا ومنها إيران وروسيا، وكل من يستطيع الضغط من أجل تحقيق هذا الهدف. لكنه ما فعل لا هذا ولا ذاك، بل عاد إلى المسار نفسه الذي اقترحه على عنان: الذهاب للاجتماع بالأسد (وهذا مبرّر)، ثم الى إيران. وعندما كان في مصر أعلن عنه الأمين العام للجامعة العربية إنه ليس بوسع الدول العربية التدخل لحماية الشعب السوري! وفي ظني أن الإبراهيمي بعد إيران سيزور روسيا والصين ثم يعود إلى سوريا ثم إلى إيران… إلخ. ويزيد الطين بلة أن مصر جمعت قبل يومين عندها لجنة اتصال رباعية كانت قد اقترحتها مكوّنة منها ومن السعودية وإيران وتركيا، كأنما لتثبت ما ذكره الأمين العام للجامعة العربية: أن الدول العربية عاجزة عن التدخل لصالح الشعب السوري!.

إن الإبراهيمي إذاً ليس وحده (أو هو وأمثال محمّد حسنين هيكل) الذي يحمل مثل هذه الأفكار المتخاذلة إن لم نقل أكثر. إنما يبقى السؤال: لماذا تستطيع إيران التدخل وتأتي معها بأعوان المالكي ونصرالله لقتل الشعب السوري، ولا تستطيع الدول العربية التدخل وهي تملك طائرات أكثر، ووسائل دفاع جوي أكثر، وصواريخ أكثر، بل ومشاة وجهاديين وثواراً أكثر من إيران وروسيا والصين مجتمعة! فمن هو الأحق باللوم إذاً: الإبراهيمي الدبلوماسي غير العسكري والذي لا يثق بالعسكرية العربية، أم رئيس جمهورية مصر الذي تحدث عن استعادة مصر لدورها، لكنه لا يرى ذلك ممكناً بدون إيران وتركيا معاً(!). أيها السوريون الأحرار والأبطال، أعرف أنكم لا تنتظرون (شيئاً) من الإبراهيمي، لكنني أقول لكم: ولا من مرسي!.  

السابق
لاجئات لا سبايا
التالي
التناقض سيد الإرادة!!