استغرابُ الاستغراب مُستَغرَبٌ!

عند هذا المنعطف العربي الإقليمي السوري، يبدو لبنان، وللمرّة الأولى، مختلفاً قليلاً عن الآخرين، ومخالفاً قليلاً لعاداته المتهوّرة التي طالما ساقته إلى حقول الألغام.
حتى ليكاد المرء، أو أي عابر سبيل، يظنّ أن أرباب الاضطرابات والمغامرات والمهووسين بالتهديد والوعيد قد باتوا فجأة متمسّكين بالاستقرار النسبي، ومتساهلين مع الدولة في شكل ملحوظ ومفاجئ، ومتماسكين مع المحاولات الأمنيّة أكثر من أي وقت مضى.
فماذا عدا مما بدا، وما هو السرّ الكامن خلف هذه التساهلات، والتنازلات، والتعاونات التي بلغت حدود السماح للقوى الأمنيّة الرسميّة، ولقوى الجيش تحديداً بـ"اجتياز" حدود الدولة عميقاً وجهاراً، وبمطاردة لمطلوبين من العدالة… ومن المحسوبين على "حزب الله"، وداخل حصونه؟
لا أسرار، يجيبون. هكذا؟ أجل. ولوجه الله والدولة "الأم" والاستقرار، وعودة الحياة الطبيعيّة إلى كل الأرجاء اللبنانيّة من الناقورة إلى النهر الكبير، نزولاً وصعوداً وتوغّلاً في العمق؟
يأتينا الجواب هذه المرّة من الرئيس نبيه برّي الذي وجد أن الاستغراب الذي رافق "عمليّة" دخول الجيش الضاحية الجنوبيّة هو في غير محلّه.
ولم يكتف بهذا الحدّ، بل أبى إلا أن يسجّل تساؤلاً لا يخلو من الدهشة: "لماذا هذا الاستغراب كلّما دخل الجيش أو أحد الأجهزة الأمنيّة إحدى المناطق؟ فالضاحية ليست جزيرة معزولة".
لا فضّ فوك دولة الرئيس، مع أن الأسباب التي تقف خلف "الاستغراب" الذي استغربته أكثر من أن تحصى.
على رغم ذلك، يرحّب اللبنانيّون بهذه الخطوة، وبهذه "الهديّة" من "حزب الله" إلى الأشقاء والإخوة والمواطنين في بيروت وضواحيها، وباقي المدن والضواحي والبطاح والحنوات.
وبدورهم يتساءلون مع رئيس مجلس النواب "لماذا كل هذه الضجة حول المؤسّسة العسكريّة؟ نحن لدينا كل الثقة بقيادتها… وليدخل الضباط والجنود إلى منازلنا. هذا مطلب حركة "أمل" و"حزب الله". المطلوب بسط سلطة الدولة في كل مكان. ومطلوب أيضاً توقيف تجار المخدّرات".
كيف لا يستغربون كلاماً جديداً جداً بهذا المعنى، وفي هذا الخضم من التطوّرات، وهو يتناول فعلاً وبعمق ووضوح لبّ المشكلة، وجوهر المأزق، والعامل الرئيسي الذي عطّل الدولة حتى الإلغاء، وعطّل البلد حتى بات شبه مهجور وشبه مرفوض لدى العالم العربي قبل العالم الغربي.
في الصدد نفسه، وفي سياق الكلام على المتغيّرات، يمكن ضمّ زيارة البطريرك بشارة الراعي لقصر المختارة ولقائه النائب وليد جنبلاط إلى باقة "الاستغراب الايجابي" التي يأمل الجميع أن تتفشّى مدلولاته في كل شبر على امتداد الجغرافيا اللبنانيّة.
سأله ما بك تنفخ اللبن، أجابه لكثرة ما كواني الحليب. 
 

السابق
16 غريقاً في بحر صور ومتنزهات الليطاني
التالي
الجيش نفذ مداهمات تم خلالها تحرير المخطوفين السوريين الأربعة وإصابة المخطوف التركي