أسباب لتعويم حكومة ميقاتي

الحكومة باقية حتى إشعار آخر، قد يمتد الى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، اذا حصلت في موعدها!
هذه الخلاصة باتت بين ايدي كل من يهمه الامر، علماً بأن فريق 14 آذار يصر على ان موقف حزب الله هو الذي يحسم مصير الحكومة. لكنه سرعان ما رمى بالكرة في ملعب النائب وليد جنبلاط، خصوصا بعدما قرر الاخير العودة الى زمن الغشاوة. لكن مراكز القرار في الإقليم والخارج يعرفون أن انتقال جنبلاط لا يمكن صرفه في السوق المحلية اللبنانية الآن. يمكن الاستعانة به في ما خص سوريا، وهو رصيد سوف يستثمر في معركة قانون الانتخاب وفي معركة الانتخابات النيابية المقبلة. وبالتالي فإن بعض فريق 14 آذار ربما بالغ في تظهير نتائج عودة جنبلاط الى كنفهم، مع العلم، وللأمانة، ان جنبلاط حرص في حلقات عدة على القول بأنه يستعيد علاقاته مع تيار «المستقبل» وبعض شخصيات 14 آذار لا مع كل مكوناته. بل ذهب ابعد من ذلك عندما تندر ساخراً من انه سوف يكون مضطرا لتحمل ثقل دم هذا او ذاك من الآن فصاعدا. حتى انه قال لعاملين معه بأن عليهم الانتباه جيدا الى ان الموقف الآن ليس في خانة مغادرة الائتلاف الحكومي، وان العلاقة مع الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي ثابتة، وان عليهم العمل على حفظ التواصل الحكومي مع حركة امل، والسياسي ــ الامني مع حزب الله، وعدم القطيعة مع التيار الوطني الحر.

في باريس، لم يكن جنبلاط يحتاج الى كثير من الوقت لإقناع الرئيس سعد الحريري بأن هناك مصلحة في بقاء هذه الحكومة. طبعاً، لا يمكن لجنبلاط ولا لأحد اقناع الحريري بأنه ليس مؤهلا لترؤس حكومة جديدة. لكن الاخير يفهم بأن الظرف الخارجي قبل الظرف الداخلي لا يساعد على قلب الطاولة في لبنان، وأن المهم الآن هو وضع عنوان للتفاهم الجديد مع جنبلاط هو: اسقاط قانون الحكومة للانتخابات، واطلاق عملية التفاوض لبناء تحالف انتخابي بين الطرفين. وبالتالي، يعرف فريق 14 آذار انه لا يمكن الآن سحب جنبلاط الى خيمة عنوانها اسقاط حكومة الرئيس ميقاتي.

في الولايات المتحدة وبعض اوروبا والاقليم، صراخ بأن لا يفتح جماعتهم من اللبنانيين الابواب امام رياح لا تناسب خطتهم في سوريا. ولذلك هم «يعطفون» بين الحين والآخر على رئيس الحكومة الحالية، فقط لإشعاره بأن قرار اسقاط حكومته لم يتخذ بعد. كذلك لاجل عدم ذهاب فريق 14 آذار الى ابعد مما يعتقدون او مما تسمح به الوقائع. وللدول الخارجية المتورطة في الحرب ضد الشعب السوري اجندة مختلفة اليوم. اذ لا يكفي ان يكون شعار اسقاط بشار الاسد جامعاً مع الآخرين من سوريين ولبنانيين وباقي العرب، بل المطلوب ان تبقى ادارة هذا الملف متروكة للجانب الاميركي ــ الاوروبي، وان على العرب توفير الاموال والبشر لا اكثر ولا اقل. وهو الوضع الذي تعاظم أخيرا مع تولي الاستخبارات الاميركية الاشراف المباشر على تنظيم مقاتلي المعارضة السورية في تركيا والاردن وحتى العراق بالاضافة الى لبنان. وفي ما خص البلد الاخير، لا تريد هذه الجهات الخارجية وضعاً افضل من الوضع القائم. وهي تخشى حصول الفوضى في حال سقوط الحكومة، ما يعرّض خططها الميدانية لأخطار كبيرة.

في الجانب الداخلي، ادركت الاطراف كافة انه يصعب الآن تغيير الوقائع. وهذا ما فرض مجموعة من الخطوات قامت بها الحكومة، من تسويات لقضايا مطلبية وخدماتية متعددة، الى تحديد آلية انفاق للمال العام، الى نقل مشكلة قانون الانتخاب الى المجلس النيابي. وترافق ذلك مع معركة تعزيز المواقع من قبل الرئيسين سليمان وميقاتي داخل الحكومة. وقد لجأ الطرفان الى لعبة ابتزاز مباشرة وغير مباشرة، إما من خلال التهديد باقالة الحكومة او بالذهاب بعيدا في مخاصمة سوريا، وذلك بهدف الحصول على تعهدات الطرف الاقوى في المعادلة الحكومية ــ اي حزب الله ــ بأن يضغط على حلفائه من بري الى عون الى المردة كي يقدموا تنازلات تفيد تحريك عجلة الحكومة، وهو امر حصل بطريقة او باخرى.

الاسباب الرئيسية لعملية التعويم الجارية للحكومة الآن، يمكن تقديم جردة بها، تبدأ بعجز القوى المحلية عن قلب الطاولة، وصولا الى تراجع نبرة التهديد بحرب اسرائيلية ــ اميركية على ايران، مروراً بالمراوحة التي تشهدها الازمة السورية هذه الفترة، والتي تعطي اشارات الى ان النظام اكثر راحة من معارضيه. وبالتالي، فإن التوازن القائم لا يدفع فريق المقاومة الى اطاحة الحكومة، بينما لا يقدر الطرف الآخر على المباردة بأكثر من تسجيل اعتراضات وتحصيل مكاسب متفرقة على الارض. ما يعني انه بمقدور من هو «اللاعب الاحتياط» اي الرئيسين سليمان وميقاتي، الاستمرار في الدور المنوط بهما على صعيد ادارة الحكومة، والقيام بأعمال تتعلق بمستقبلهما السياسي، حيث يعاني الاول من ارق الذهاب الى المنزل بعد بعبدا، بينما يتعرض الثاني لأكبر عملية ضغط في معقله الرئيسي في الشمال بهدف اشعاره بالعجز عن خوص الانتخابات النيابية المقبلة.

في الحالتين، يعمد الجميع الى تعويم الحكومة. وهي حال لبنان حتى اشعار آخر، حيث ان التركيبة القائمة تمنع على اي من الفريقين الحسم في هذا الاتجاه او ذاك، ومن يعتقد خلاف ذلك يكن واهماً أو لا يجيد قراءة الواقع.  

السابق
انتحار مليون شخص كل عام
التالي
بعيداً عن الإعلام