هستيريا

يوحي الصخب السياسي والإعلامي الأسدي حيال لبنان وأهله في هذه الأيام بالكثير من النيّات الشريرة، وكأن ما عجزت السلطة الآفلة في دمشق عن تنفيذه مواربة وبالواسطة من خلال الارهابي الصغير ميشال سماحة، ستحاول أن تنفّذه مباشرة (؟)، وهي بدأت عملياً وإعلامياً في تهيئة المناخ لذلك.
وفي تلك التهيئة: استعادة للرسالة الشهيرة لمندوب الأسد في الأمم المتحدة بشار الجعفري أوردتها، مع بعض التعديلات، احدى صحف السلطة في دمشق بالأمس. وكلام مشابه وموازٍ أطلقته أبواق محلية معروفة بأدوارها التبليغية المشينة، وبسقط الكلام. واتهامات مطّاطة وردت وترد تباعاً على ألسنة مسؤولين في "حزب الله" تتهم قوى 14 آذار بـ"الاعتداء" على سوريا والانخراط في "مشروع أميركي" لمحاصرتها وضربها.. وفوق ذلك ضخّ مسموم ضد الرئيس العماد ميشال سليمان لانه يصرّ على كونه رئيس جمهورية لبنان وليس موظفاً مأموراً من ضبّاط مخابرات الأسد، كما ليس مستعداً لأن يؤجّر ضميره وشرفه الشخصي والوطني وقَسَمه لأحد، ومن ثم ليس مستعداً كغيره، لتغطية جرائم تلك السلطة بحق اللبنانيين أينما كانوا.

والتوجّس من تطوير سلطة الأسد ارتكاباتها ومدّها باتجاه عكار وربما بعض البقاع الشمالي ينطلق من حسبة بسيطة وأخرى معقّدة. الأولى تقول ان تلك السلطة تريد "تأديب" أهل المنطقتين، ومن ورائهم كل المناخ السياسي المعادي لها والمتمرّد عليها رسمياً وشعبياً، مستندة إلى ميزة تفوّق ناري على القوى اللبنانية المواجهة لها، وإلى افتراض إمكانية استعارة لعبة اضرب واهرب الإسرائيلية القديمة لتنفيذ مبتغاها. والثانية تقول ان الأمر أبعد مدى من ذلك ويتصل بترتيبات الجغرافيا المستقبلية المتّصلة بالشمال السوري نفسه بعد التيقّن من استحالة العودة إلى الإمساك بكل الجغرافيا السورية.

والحال، ان وتيرة الاتهامات والتلفيقات الأسدية حيال لبنان وصلت أو تكاد إلى مستوى الهستيريا التامة والخالصة. تماماً مثل الهستيرية التدميرية الفالتة ضد شعب سوريا من درعا إلى حلب، ومن القصير إلى البوكمال وإدلب ودير الزور. وهي في مجملها (السوري واللبناني) تعني ان كل الخيارات تلاشت وضُمرت لصالح سياسة الأرض المحروقة. ولم يعد في "كتاب الحساب" الذي تقرأ فيه سلطة الأسد سوى نصّ واحد هو ذلك المتعلّق بالقسمة والضرب، ولا شيء آخر! وفي الخلاصة: ينقر الخبل واليأس على دفّ تلك الهستيريا، فيرقص الأسد واحدة من رقصات الأفول النارية، ويدفع اللبنانيون والسوريون أثماناً إضافية!
يفاجئ هذا الاستنتاج البعض، باعتبار ان السلطة الأسدية تكاد لا "تلحّق" على ما يحصل داخل سوريا فكيف لها أن تنفّذ اعتداءً على لبنان؟ عدا عن العوائق الدولية والإقليمية والمحلية الكبيرة والأكيدة والتي يفترض أخذها في الحسبان والتي تحول في محصّلتها دون ذلك الجنون.. غير ان البعض الآخر يطرح سؤالاً يستبطن جواباً مختلفاً وشديد الواقعية: ما علاقة ما يفعله الأسد في سوريا منذ 18 شهراً بأي منطق وبأي عقل وبأي حساب؟ ثم متى كانت الهستيريا مألوفة عند صاحبها.. في ظنّه انه الوحيد العاقل، وكل الآخرين مجانين! ألم يكن هتلر في نيسان 1945 يخطّط من قبوه في برلين للقضاء على جيوش الحلفاء في كل أوروبا، فيما الجيش الروسي على بعد أمتار منه، في قلب عاصمة الرايخ الثالث؟!
  

السابق
الجيش الإسرائيلي يعتقل لبنانياً تجاوز السياج الحدودي
التالي
إسرائيل ستعيد إيران إلى العصر الحجري !!