مذكرة.. الخط الأحمر

فعلها حزب الله. لم يسكت عن «المذكرة» التي تقدم بها حزب «المستقبل» الى رئيس الجمهورية حول الأزمة السورية واستتباعاتها، فالأمر بالنسبة اليه قد بلغ الخط الأحمر على ما يقوله مقربون منه.
المؤتمر الصحافي الذي عقده النائب محمد رعد كان وليد بحث معمق في داوئر حزب الله السياسية وبطبيعة الحال مع أمينه العام السيد حسن نصرالله. وتم استخلاص الموقف المناسب ضمن صيغة عنوانها ثلاث كلمات: «رد موضوعي عنيف»، ذلك أن الاعتبارات التي فرضت الرد تتعلق مباشرة بما يسميه حزب الله «أمن المقاومة» بمعزل عن الموقف من الدولة في سورية أو النظرة اليها والى الحرب الدائرة هناك، أو ما تسميه مذكرة «المستقبل» بـ»الاعتداءات» السورية على أجزاء من الحدود اللبنانية التي يستخدمها ذاك الحزب وأعوانه من الجماعات الأصولية المتطرفة ممراً للمسلحين و»حديقة خلفية» للنشاط المعادي لسورية.
الخط الأحمر الذي يراه حزب الله في تلك المذكرة هو بلوغها حداً لم تستطع حرب تموز 2006 بلوغه بالرغم مما فعلته الآلة العسكرية «الإسرائيلية» آنذاك والتي كانت متلحفة بقرار دولي – عربي – لبناني عبّر عنه رئيس الحكومة في تلك الحقبة فؤاد السنيورة الذي تقدم بنفسه بالمذكرة الأخيرة التي تتضمن المطالب ذاتها التي طرحها إبان الحرب وهي أن يشمل قرار مجلس الأمن الرقم 1701 الذي اوقف العمليات العسكرية ولم ينه الحرب كل الأراضي اللبنانية تحت ذريعة وقف تهريب الأسلحة الى المقاومة.
قرر حزب الله ألا يتجاهل ما اشتملت عليه «المذكرة» بالرغم من قراره عدم الرد على كل الالتباسات التي يتجرأ الآخرون على افتعالها لأنه يعتبر أن للخيانة حدوداً هي المقاومة والمقاومة فقط، وأن ما دون ذلك بالإمكان تجاوزه، كما أن الحرب في سورية والحملة الدولية عليها ستستمران وهو سيواجههما مع حلفائه بالشكل الذي تم اعتماده منذ اللحظة الأولى، والذي تدرج صعوداً عند اللزوم، والرد على كل مرحلة بما يتلاءم معها سياسياً ودبلوماسياً، وصولا الى تأمين الدعم العسكري والأمني والمادي إذا لزم الأمر، وهو ليس بالشيء الخفي، فهذه الحرب تستهدفه كما تستهدف سورية وشعبها وما يعرف بمحور الممانعة والمقاومة، فالقتال فيها مشروع بل واجب كما شرّع الآخرون لأنفسهم التدخل في ما لا يعنيهم.
لقد صار معلوماً أن لبنان الذي رفع شعار «النأي بالنفس» عن الأزمة السورية، بات اللاعب الأساسي فيها من خلال ما تقدمه أطراف لبنانية من دعم مادي وعسكري للجماعات المسلحة السورية التي تقاتل ضد الدولة هناك، وتسهيل مهمة الدول التي تتولى إدارة الحرب عليها. كما باتت الدولة اللبنانية جزءًا من تلك الأزمة بدل النأي بالنفس عنها، من خلال ما يعبر عنه مسؤولون فيها وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية الذي يصعد من لهجة اتهاماته وإيحاءاته وتهديداته على أبواب «الانتخابات» متذرعاً بحوادث لم يكشف النقاب عن حقيقتها بعد، في حين ينأى رئيس الحكومة بنفسه بعدما قدم أوراق اعتماده من خلال خفض «جناح الذل» لجماعات تخوض الحرب ضد سورية في مدينته ولدواعي رئيس البلاد نفسها، إلا أن اللعب على حبال «التحالفات» والتناقضات الدولية والإقليمية لن يعود عليهما وعلى لبنان إلا بالمصائب، فقد جرب قبلهما آخرون ذلك وتجرعوا الكأس المرة.
شعار «النأي بالنفس» إما أن يطبق بشكل كامل وعلى كل المستويات ومن دون اية مواربة، أو لن يلام أحد على ما يرى أنه واجب الإقدام عليه لحماية نفسه وجمهوره وخطه السياسي من أجل قضايا كبرى ومصيرية تعني العالمين العربي والإسلامي، لا من اجل السلطة أو الحصول على مكاسب ضيقة وفئوية ومذهبية.
ما رآه البعض من «تهديد» في رد حزب الله على «المذكرة» ممكن أن يعتبره كذلك، وإذا استطاع أن يرد عليه أو أن يحقق ما يطالب به، فهذا من حقه أيضاً وليجرب ذلك… فلا حاجة لأحد لتقديم «الاعتذار» من الآخر.  
 

السابق
قوّات ماذا؟
التالي
حادث الكويخات .. وما أدراك ما الكويخات!