مقاتلون من المعارضة يُكبِرون… وجنود يرشدونهم إلى «باب السماء»

 في موازاة الاشتباك بالرصاص والقذائف والصواريخ، يخوض طرفا النزاع في حلب حرباً كلامية، تبدأ في منطقة السيد علي يومياً بسيناريو واحد: يصرخ المعارضون المسلحون «الله اكبر»، فيرد عليهم الجنود «ستصعدون اليه قريباً».

وغداة مواجهات شرسة بين الجانبين، طردت القوات النظامية قبل نحو اسبوعين المقاتلين المناهضين للنظام من حي الجديدة المسيحي الواقع عند طرف هذه المنطقة، ليتحول إثر ذلك الى خط للتماس يرزح تحت رحمة القناصة.

ويفصل اقل من 50 متراً بين طرفي النزاع، اللذين لا تلتقي أعين عناصرهما، إنما تتقاطع أصواتهم ونداءاتهم وشتائمهم الساخرة في أغلب الاحيان.

ويقول المجند احمد (22 عاماً): «يتعاملون معنا على أساس أننا كفار ونستحق الموت، ونحن نسخر منهم ونقول لهم إنهم لن يجدوا عذراء تقبل بأي منهم في الجنة».

ويشير جنود آخرون الى ان بعض المقاتلين في الجانب الآخر يدخلون المعركة وهم يحملون «جواز سفر للجنة» منحهم اياه شيخ سلفي، ويقول احد الجنود: «نستطيع برصاصاتنا ان نساعدهم على الوصول الى باب السماء». وغالباً ما يردّ المقاتلون، وخصوصاً الاسلاميين منهم، على جنود القوات النظامية متوعدين إياهم بـ «نار جهنم».

جنرال في الحرس الجمهوري يقود العمليات العسكرية في غرب حلب، يسخر بدوره من المعارضين المسلحين قائلاً: «هم يدّعون انهم يقاتلوننا كي يتناولوا طعام الغداء على مائدة الرسول».

ومنذ بداية النزاع الذي قتل فيه اكثر من 26 ألف شخص، وفق «المرصد السوري لحقوق الانسان»، يؤكد النظام انه يخوض مواجهة مع متطرفين تمولهم دول عربية بهدف القضاء على التعايش بين الطوائف في سورية. وظلت حلب بعيدة من النزاع المسلح المستمر منذ منتصف آذار (مارس) 2011، إلا أن لغة السلاح فيها اليوم هي الأكثر شيوعاً.

ويبدو حي الجديدة المسيحي، الذي تنتشر فيه الأبنية الحجرية والمطاعم والمتاجر التي تبيع التذكارات والاغراض القديمة، مهجوراً من سكانه الذين كانت تكتظ بهم طرقاته، وفارغاً من السياح الذين بدأوا يبتعدون عن سورية منذ اكثر من عام ونصف العام.

تقول ام عبدو (52 عاماً)، التي تغطي رأسها بمنديل ملون وهي تنظر من بعيد الى شقتها التي غادرتها قبل نحو اسبوعين وتحاول تفقُّدها: «أراها، لكنني لا استطيع الوصول اليها، إنه أمر محبِط».

وفي مكان قريب، يستريح جنود بعد تبادل شرس لإطلاق النار. ويقول عصام، الذي وضع قطعة قماش على رأسه تحميه من الشمس: «الرجال المسلحون (المعارضون) متوترون اليوم، بالأخص بعدما حصلوا على ذخيرة تتيح لهم إطلاق النار كما يشاؤون».

وفيما تتنقل الإهانات بسهولة ذهاباً وإياباً، فإن اياً من الطرفين لا يجرؤ على التقدم باتجاه الطرف الآخر، في منطقة يحمل زجاج وجدران منازلها ندبات وآثار النزاع.

وأغلق مطعم «سيسي» الاكثر شهرة في حلب، ابوابَه منذ شهرين، فيما يبقى محمد صبار (37 عاماً) وحده في متجره يحاول بيع الملابس الداخلية وثياب النوم النسائية. يقول محمد: «لم أبع قطعة واحدة منذ شهر، لان الطريق خطيرة والزبون المعتوه هو الوحيد الذي قد يقصدني. آتي الى هنا فقط لأنني اشعر بالملل في منزلي».

جوزف (46 عاماً)، الذي يصنع حقائب نسائية ويرسلها الى ليبيا، هو الوحيد الذي لا يشتكي من الوضع الحالي، ويقول: «ابيعها لليبيات اللواتي يرسل بلدهن الينا العاطلين من العمل لمقاتلة جنودنا».

 

السابق
إقتحام مخيم اليرموك بالدبابات وتسليح الأقليات لـ«حرب الطوائف»
التالي
واشنطن تلزم بغداد بالتعاقد مع «أوبيك» للتأمين على أموال شركات أميركية