لغة الطغاة..

ليس جديداً اكتشاف التشابه في لغة الطغاة أينما كانوا. لكن التفاصيل دائماً مفاجئة وممتعة، وتترك المتلقّي في حالة اطمئنان ثقافي لا شك فيه!.
هوغو تشافيز أحدث عيّنة من تلك الطبقة النمطية التي تحكي بلهجات متعدّدة لغة واحدة. وتتصرف رغم اختلاف شخصياتها وفق قياس ذهني واحد. وترتكب في أمكنة جغرافية مختلفة الجريمة ذاتها. وتدقّ رغم تعدّد نغماتها على طبل واحد. وتقف رغم تعدّد أمكنتها على منصّة واحدة، وباتجاه العتم دائماً وأبداً: أنا أو لا أحد. لا ناس ولا بلد.
تشافيز حاكم فنزويلا منذ العام 1999، حذّر بالأمس من أن خسارته في الانتخابات الرئاسية المقبلة هي "سيناريو كارثي يؤدي إلى حالة عدم استقرار يمكن أن تصل الى حدّ الحرب الأهلية". علماً أن سنوات حكمه أسّست بالفعل لانقسام سياسي واجتماعي حاد ستبقى بلاده تعانيه لزمن طويل.
.. شعبوية بدائية قائمة على ركام أفكار آتية من بقايا ثقافة الحرب الباردة. وصل إليها الرفيق هوغو متأخراً لكنه يصرّ على أنها لا تزال صالحة للاعتماد في جمهوريته. عمادها توزيع عشوائي لعائدات النفط على الفقراء المؤيدين له، وتأميم أرعن للشركات الانتاجية الوطنية الكبرى بعد تهشيل الرأسمال الأجنبي وتحطيم طبقة وسطى كانت مميزة في كل أميركا اللاتينية، فتلاشت وهاجرت وأخذت معها نخبة علمية وتقنية متخصصة في شتى المجالات وعلى رأسها القطاع النفطي الأثير.
وعلى طريقة نظرائه الممانعين العرب وخصوصاً القذافي، بنى سلطته على ازدواجيَّة الأمن وعائدات النفط:هشّم الجيش وعزّز أجهزة أمنية بطّاشة مدعومة بما يشبه الميليشيا الشعبية. وهاجم وطارد وسجن معارضيه السياسيين وأغلق صحفهم ومحطاتهم التلفزيونية والإذاعية ودور نشرهم، وأحكم بلغة الغوغاء القبض على الحياة الثقافية والفنية والإبداعية برمّتها. ثم طوّب نفسه راعياً وداعماً وملهماً لكل الحركات "المناهضة للامبريالية الأميركية" في المدار القريب من فنزويلا والبعيد عنها على حدّ سواء.
سيرته بهذا المعنى، تبدو نسخة مترجمة عن سيرة القذافي، وإلى حدّ ما سيرة محمود أحمدي نجاد. رغم أن ملهمه وقرّة عينه هو فيديل كاسترو باعتباره "وريثاً" لغيفارا أكثر من كونه محرّر كوبا وبانيها.
تحذيره بالأمس من أن فنزويلا ستدخل في حرب أهلية إذا خسر الانتخابات لم يسبقه إليه حتى الطغاة العرب.. هؤلاء من زين العابدين بن علي الى القذافي الى علي عبدالله صالح وصولاً الى بشار الأسد فتحوا النار على حراك مدني شارعي وواجهوا بالرصاص الدعوات الى التنحّي والتغيير، فيما هو يفترض (ويقرّر) ان صناديق الاقتراع كافية لتشغيل صناديق الذخيرة من جهته!.. المهم أن الخلاصة واحدة وإن اختلفت أساليبها: القصر أو القبر.

  

السابق
مولّد كهرباء من اليونيفيل إلى قلعة تبنين
التالي
المعلم رجع من إجازته.. معلمة!