تراجع الثقة بين الناس

المشكلة في لبنان ليست انعدام فعالية الدولة أو ما يُعبَّر عنه بمصطلح غياب الدولة فحسب، بل أيضا، وربما هذا هو الأخطر، انعدام الثقة بالمجتمع سواء لجهة العلاقة بين طوائفه ومكوّناته أو لجهة العلاقات القائمة بين الأفراد أنفسهم لأي جماعة انتموا.
يعني هذا أنّ ثمّة أزمة بنيوية حادّة على مستوى الإنسان الفرد الذي يجد نفسه مُحاطاً ببيئات أقل ما يمكن توصيفها بأنّها: إمّا معادية أو متسلّطة أو نفعية، وذلك أيضا بحسب ما تسود هذه الحالات في مؤسسات الدولة ذاتها، وفي نوعية العلاقات بين أفراد الطبقة السياسية الحاكمة والمستحكِمة في آن.
ينتج عن ذلك عن أنّ الثقة تتراجع يومياً بين الناس حتى تتلاشى نهائيا، وأنّ مفاهيم مثل التضامن أو التآزر أو التعاطف أصبحت بلا محل في الإعراب الاجتماعي اللبناني.

ويظهر ذلك جليّاً في عجز اللبنانيين عن الاصطفاف خلف قضية تعني الكل بمعزل عمّا تفرضه الخصوصيات بما هي وعي حادّ وشقي ليس بمجرد الاختلاف بل بالخلاف المجرد والعيني على حدٍّ سواء.
كما يظهر ذلك في أبسط التصوّرات التي يتحصّن بها الواحد تجاه الآخر بما هو آخر مطلق تماماً تم فصله عن دائرة الوعي الخاص ورميه في سلّة الخوف الدائم والقلق الوجودي المتمركز أساساً حول فضاء شبه سحري للطائفة الحامية.
أنا أو غيري لا أثق بزميلي في العمل أو بالجيران أو ببائع الخضار أو بالميكانيكي الذي سلّمته سيّارتي أو بالطبيب الذي يعالجني بحد السكين الاقتصادي أو بالصيدليات البعيدة عن الرقابة أو بالصحافي المأجور أو بالسياسي التابع أو برجل الدين السياسي!

الكل مُتّهم لأنَّ الكلَّ في غياب الأسس الصحيحة للدولة والمجتمع ينتقم من الكل، حيث يصبح العنف المعنوي والمادي السبيل الوحيد لدرء خطر الآخر، فهل للناس حديث غير تبادل التحذيرات من هذا الآخر؟!   

السابق
موسى الصدر؟
التالي
إنهم لا يصدقون أنفسهم