هل تقمّص الحكيم شخصية مسيح النصارى؟!

أفرغ ما في جعبته من حقد وكراهية، وأظهر خفايا نواياه جهاراً، ولم يكن كلامه فلتات لسان فحسب، فما حوت ذاكرته من خبث وإجرام وقطرات دماء لا يزال ماثلاً أمام ناظريه من جراء أعماله «البطولية» أيام الحقد السود التي لم تقتصر على أيام السبت الأسود وحده، بل ملأت «فضائله» أيام الأسبوع بأكمله وما برح يعتمد الأسلوب نفسه في التحريض والتهديد والوعيد وشحن النفوس طائفياً ومذهبياً، مستمراً في عدائه الأحمق لكل من آمن بوحدة هذا الوطن وعمل لمصلحة هذه الأمة والدفاع عن مصالحها الحيوية وحريتها وكرامتها، مردّداً كذلك أيضاً على مسامع أتباعه المضلَّلين بأنه سيقاتل نظام الممانعة والمقاومة في سورية ولبنان، واعداً «مسيحييه» بأنه «سيكمل بمن تبقى منهم» ولم يتعظ بعد من حروبه العبثية ومن إخفاقاته المتكررة وتنبؤاته غير المتحققة وغير الواقعية حول سقوط الواقفين في وجه المشروع الصهيوني المتجدّد، والرافضين حتى انقضاء الدهر أيّ مساومة على الحق القومي والوطني والرضوخ للإملاءات الأميركية و»الإسرائيلية»، بل سيبقون شوكة في حلقه ولن تتحقّق مؤامرات أسياده ومشغّليه و»السما زرقا»!

هذا هو «الحكيم» الذي لم يعرف يوماً الحكمة بشقّيها، لا مع أبقراط أبو الطب ولا مع سقراط أبو الحكمة، ومن يتابع كلامه الفارغ من أيّ تعبير ينمّ عن الوعي والحكمة، يتأكد له أن ما ينطق به من بدع ليس سوى هذا المدعي الحكمة واستشراف المستقبل، المروّج الصغير لأفكار «قيافا» رئيس كهنة اليهود ومجلس «حكماء صهيون» الدائب منذ بداية مشواره الانتحاري على أخذ أتباعه القلة إلى منحى تقسيمي ضمن كانتون ضيق كي يخنق فيهم كل شعور بالمسؤولية نحو أمتهم ووطنهم ومعتقدهم الحقيقي الذي يرفض الانغلاق والتقوقع، لأن فيه فناءهم ونهاية رسالتهم الاجتماعية والإيمانية معاً.

في حصنه المحاط ببراميل النفط وأموال الخليج وعداء الغرب وبعض الأعراب، أراد أن يدفع بـ»من حضر» إلى رحابه في «دولة معراب» إلى قمة التطرّف نحو دولة أفشلت تحقيق أحلامه بالتقسيم وقضت على آماله بإقامة دولته العنصرية هو وبعض الحالمين أمثاله من ملاقاته في الجهة المقابلة من الانغلاق الطائفي والمذهبي، وكاد يصل في خطابه التحريضي إلى إعلان ساعة الصفر في بدء معركته على الدولة السورية، لولا أنه يعرف تمام المعرفة ما جنت كلمات من سبقه في هذا المضمار حين شرب «حليب السباع» من المحافظين الجدد وهدّد بقصف الشام، والكل يعلم بما آلت إليه الحال آنذاك.

المسيحيون المشرقيون أهل حضارة وثقافة ووعي وانفتاح وأصحاب رسالة مسكونية بعيدة عن التقوقع والانغلاق، والموارنة منهم، وهم سريان سوريون، كانت لهم بصمات خالدة في إبداعات القرون الماضية، خاصة في عصر النهضة، ولهم تاريخهم المشرّف في كل الميادين، قاتلوا الأجنبي وتصدّوا لحملات التتريك بالتشديد على التمسك بالهوية العربية المشرقية والانتماء القومي والوطني ووقفوا في وجه الانتداب الفرنسي وطالبوا بالاستقلال والحرية ولم يكونوا يوماً ذوي نزعة انفصالية، بل أهل توحيد في الدين والدنيا، لذا ترفض غالبية المسيحيين المشرقيين المنطق الانعزالي المتهوّد ولا تعترف على الإطلاق بمحاولات «حكماء صهيون» أخذهم إلى غير انتمائهم وحقيقة وجودهم ومحاولات جرّهم إلى تهويد ممنهج وإبعادهم عن المسيح الناصري الذي لا يمكن أن يلتقي مسيح النصارى كما ذكر الأديب النهضوي جبران خليل جبران في كتابه «رمل وزبد».

ستبقى صرخات «الحكيم» صدى فارغاً وجعجعة بلا طحين، ولن تقوم قيامة لمشاريعه التقسيمية والانعزالية حتى لو وقفت الدنيا بأسرها إلى جانبه، فالحقيقة القومية والوطنية والإيمانية للمسيحية المشرقية بيّنة وواضحة، ولن يتمكن وأتباعه من الانحراف بها عن جادة الصواب، وما قول الناصري: «إن أبواب الجحيم لن تقوى عليها» إلاّ تأكيد على أن أبواب «معراب» ومضارب المستعربين المتهودين لن تقوى عليها أيضاً.  

السابق
ما سبب حزن رونالدو؟
التالي
تكريم القوات العاملة في اليونيفل في صور