هكذا اعتذر الأسد من سليمان

أجرى الرئيس السوري بشار الأسد اتصالاً بالرئيس ميشال سليمان عبّر فيه عن تعازيه وأسفه لمقتل لبنانيين أبرياء وإصابتهم خطأً، ومعتذراً بعدما تبيّن له أنّ "الإرهابيين" الذين قتلوا أو أصيبوا على الحدود مع لبنان مدنيون مسالمون، وأنّ العسكريين منهم قد جرّدوا من سلاحهم قبل إطلاق النار عليهم. فما هي حقيقة هذه الرواية؟

قبل التوسع في تفاصيل الاتّصال وما دار فيه، من البديهي القول إنّ هذا الخبر من محض الخيال ولا أساس له من الصحة.

ففي معلومات المطلعين على الكثير من خفايا الأمور، قراءة سورية سوّقها لبنانيون أصدقاء للنظام وهي تقول إنّ الأسد كان يمكن أن يجري مثل هذا الاتّصال الذي تمنّاه سليمان، لو لم يكن لبنان شريكاً في المؤامرة على سوريا كما أظهرته المواقف الرسمية من شبكة سماحة – مملوك، وقبل ذلك عندما طلب سليمان من وزير الخارجية توجيه رسالة احتجاج إلى السلطات السورية رفضاً منه القصف على القرى اللبنانية والتوغّل فيها وقتل وجرح العديد من الأبرياء وتهجيرهم من أراضيهم، فكيف بموقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمس الذي زاد الطين بلة.

ويقول "الأوفياء" من "أصدقاء سوريا" في لبنان إنّ الأسد يحاذر استخدام الهاتف على أنواعه منذ أن توسّعت رقعة الثورة في سوريا ودخلت العاصمة وطوّقت الاشتباكات أكثر من مرّة مقرّ القصر الجمهوري في منطقة المهاجرين والمقار الأمنية ومقر مجلس الوزراء في قلب العاصمة السورية في دمشق قبل عملية اغتيال الضباط الأربعة وبعدها، خوفاً من أن تكشف أجهزة التنصت الدولية التي ترصد الداخل السوري والخطوط الهاتفية والخلوية خصوصاً، وتحدّد مكان وجود الرئيس السوري لتوجيه ضربة قاسية إليه.

ليس في هذه الرواية شيء من الخيال – على عكس رواية الاتّصال الأولى – فإنّ بعض أصدقاء الأسد وحلفاءه في بيروت قالوا هذا الكلام في السرّ والعلن معطوفاً على اتّهام لسليمان بإمكان التورط في مثل هذه العملية بهدف معرفة موقع الأسد، عندما برّروا عدم ردّ الاتّصال من الأسد إلى سليمان ليستفسر منه عمّا لديه من معلومات عن شبكة سماحة – مملوك، كما فعل سليمان عندما ادّعى القضاء السوري على وزراء ونوّاب لبنانيين وكبار القادة الأمنيين.

ولذلك قالوا إنّ سليمان سينتظر كثيرا اتّصالاً من الأسد، ومعه ستنتظر المخابرات الأميركية ومعاونوها وعملاؤها في آن مثل هذا الاتّصال الذي لن يأتي.

تقول المعلومات المتداولة إنّ سليمان كان صادقاً في موقفه. وقد قصد توجيه رسالة سريعة إلى نظيره السوري لاستيعاب الموقف، بعدما هاله ما رآه من مضبوطات سورية ليسأله عمّا إذا كان صحيحاً أنّ الأسد على علم بذلك، كما قال سماحة "هيك الأسد بدّو".

وقد كان سليمان مستعداً لمواجهة الأسد بما لديه من معلومات، وقد هاله أن يكون "سماحة المنفذ". فالرجل، أي سماحة، له "قصة قديمة" في العلاقة بين الأسد وسليمان ما زالت متداولة في نطاق ضيّق بين العارفين بخفايا العلاقات بين الرجلين.

وفي المعلومات، إنّ سماحة تمنّى وسعى يوماً، وتبنّى الأسد رغبته في أن يكون موفداً شخصياً بينه وسليمان في فترة من الفترات، لو لم يرفض سليمان هذه الصيغة مؤكّداً أهمية ما تعنيه أن تكون العلاقة مباشرة بين الرجلين من دون وسطاء وموفدين.

ففي ذلك، قال سليمان يومها، إختصار وتوفير للإشكالات متى كان هنالك "حامل رسائل" بين الطرفين وهو ما يتسبّب بالكثير من المتاعب، فالتجارب السابقة بين قصري بعبدا والمهاجرين تَشي بالكثير منها، وليس أقلّها سوء فهم مضمونها أحيانا أو تحريفه، وهو ما لم يكن يرغب فيه الرئيس اللبناني الذي كان وما زال يتمنّى تبادل الرسائل والأفكار مباشرة مع نظيره السوري.

وختاماً، تجدر الإشارة إلى أنّ ثمة وقائع أمنية وعسكرية أوحت بهذا السيناريو، فيوم السبت الماضي تحدّثت مصادر عسكرية عن اعتذار سوري تبلّغه الجانب اللبناني عندما ناقش ونظراءه السوريين في أسباب القصف البعيد المدى الذي طاول قرى عكّارية للمرة الأولى بعمق خمسة كيلومترات في الأراضي اللبنانية.

لكنّ "الجريمة" التي ارتكبت – على ما يبدو – هي أنّ البيان الذي عمّمه مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية أشار صراحة إلى هذا الاعتذار بالقول "إنّ المسؤولين السوريين تعهّدوا عبر المراجعات التي أُجريت معهم محاسبة مَن قام بالقصف، واعتذروا عن الخطأ الذي حصل من دون علم القيادات المختصة متعّهدين أيضاً عدم تكراره".

وعليه، كان ردّ الفعل السوري بتجديد القصف السوري فجر الأحد بعنف على القرى اللبنانية عينها وبعمقها، ما يؤشّر إلى شكل العلاقة التي يرغب فيها النظام السوري مع لبنان.

فالقضية لا تقف عن اتّصال هاتفي طال انتظاره أو لا! وعليه، تردّدت في بعض الأوساط مزحة تقول إنّ المشكلة كمنت في أنّ كلّ القذائف السورية انفجرت. وكان يمكن تحميل واحدة غير معدّة للتفجير رسالة اعتذار سورية لا بدّ منها، وقد تأتي في يوم لم يحن أوانه بعد.  

السابق
أزمة في سوريا..لا ثورة!
التالي
توضيح رئاسي