قمة عدم الانحياز.. ناقوس الخطر دقّ

انتهت قمة «عدم الانحياز» وانتهى معها وهمٌ من نسج خيال عدد غير مستهان به من الدول «النامية» المشاركة في القمة، وهو وهمُ عدم الانحياز.
انتهت القمة التي تنظر إليها طهران على أنها انقلاب ديبلوماسي ضد الضغوط الغربية التي تقودها الولايات المتحدة، انتهت القمة التي ترأسها ايران، الدولة الرائدة في الانحياز للنظام السوري وما يرتكبه بحق شعبه، انتهت القمة كما كان متوقعاً دون أن تأتي بالكثير. ربما المكسب الايراني الوحيد لهذه القمة كان تضليل الناس كما يحدث في الأنظمة الديكتاتورية، عبر ايصال رسالة للشعب الايراني بأنّ واشنطن أخفقت في عزل النظام عن بقية العالم من خلال المشاركة الكبيرة في المؤتمر ولكن سرعان ما استاء القادة الايرانيون وفشلوا في ايصال الرسالة بعد خطاب بان كي مون؛ فتصريحاته جاءت صادمة للرئيس أحمدي نجاد الذي بدا متجهماً حين لم يكتفِ كي مون في مؤتمر صحافي عقده الى جانب الرئيس الايراني، بمطالبة ايران «ببناء الثقة حول برنامجها النووي والالتزام الكامل بقرارات مجلس الامن والتعاون الوثيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، بل حذر القادة الايرانيين من اندلاع «دوامة عنف» على خلفية المسألة النووية، ولم يهمل موضوع انتهاكات ضد حقوق الانسان في ايران والى الجهود التي تقوم بها الأمم المتحدة لتحسين هذا الملف في البلاد.

ولعلّ خطاب الرئيس المصري محمد مرسي الذي هاجم فيه النظام السوري، وأعلن تضامن مصر مع الشعب السوري ضد النظام القمعي في دمشق على اعتبار أن هذا التضامن واجب أخلاقي، أثار غضب النظامين السوري والايراني؛ فعند سماع الوفد السوري كلمة مرسي التي تضمنت «تحريضاً على استمرار سفك الدم السوري» ووصف النظام «بالظالم»، انسحب الوفد السوري من قاعة المؤتمر معترضاً على ما اعتبره الوفد تدخلا سافرا في الشأن الداخلي السوري وانتهاكا لمبادئ حركة عدم الانحياز.

أما الغضب الايراني، فتمثلت أولى مظاهره بسذاجة المترجم الذي كان يترجم خطاب مرسي للقناة الأولى الايرانية عبر تحريف ما جاء في الخطاب واقحام عبارات لم يتطرق اليها مرسي، وحذف بعض من كلامه عن سورية بهدف تطابق خطاب الرئيس المصري مع مفردات خطاب النظام الايراني. وسذاجة المترجم ومن وراءه كان فاضحا، اذ انه تغاضى عن فكرة أن الشعب الايراني قارئ ومطلع ولن يكتفي بمتابعة خطاب مرسي على القناة الأولى الايرانية بل سيتابع القنوات التلفزيونية الأرضية والفضائية، المحلية والعالمية وسيقرأ الصحف ويشاهد خطاب مرسي على مواقع مختلفة بلغات متعددة. فالخاسر هنا الحكومة الايرانية مجددا ً، اذ ان هذا التضليل الاعلامي الذي لم يدم الا لساعات قليلة سيؤذي صاحبه ويفقد ثقة الشعب الايراني بحكامه مجدداً.

أما المضحك المبكي في قمة دول عدم الانحياز، هو مشاركة بعض القادة العرب الذين لم يعانوا هم وشعوبهم الا من انحياز بعض دول عدم الانحياز وتدخلها في شؤؤنهم الداخلية. فبالرغم من كل التصريحات الايرانية المعادية للبحرين ورغم التدخل الايراني الواضح والصريح في أحداث المملكة، رأينا الوفد البحريني يجلس الى جانب من حاول التآمر على قلب نظام الحكم في بلاده وتدميره أمنياً وسياسياً واقتصادياً. فإيران التي ترى في أحداث سورية والثورة السورية مجرد مؤامرة، فيما تصور مؤامرتها الطائفية في البحرين على أنها «أعظم» الثورات وأكثرها «سلمية» و«نزاهة» هي التي ترأس قمة دول عدم الانحياز.
والمضحك المبكي أيضاّ، هو مشاركة الرئيس المصري الذي انتخب بعد ثورة مصر التي أطاحت بالطغيان والديكتاتورية كالطغيان والديكتاتورية التي يمارسها نظام الأسد ضد الشعب السوري. فالخطاب القاسي للرئيس محمد مرسي في قمة دول عدم الانحياز ولو جاء مسانداً للشعب السوري ضد طغيان نظامه، لن يبرر مشاركته في قمة لا تليق بها الا صفة الانحياز.. فربما مشاركة الرئيس المصري جاءت لاستعادة وجود مصر على الساحة الاسلامية في المنطقة، وربما جاءت مشاركته لتطبيع العلاقات الايرانية – المصرية، وربما شارك الرئيس مرسي في هذه القمة لكسب الرأي العام العالمي والعربي عبر مساندة الشعب السوري في عقر دار أحمدي نجاد الحليف الأساسي والداعم الأبرز لنظام الأسد. ومهما تعددت أسباب مشاركته، ومهما حاول الرئيس مرسي كسب ودّ الشارع العربي عبر خطاب قاس ومباشر، تبقى النتيجة واحدة، وهي مشاركة رئيس مصر الذي انتخب بعد ثورة شعبية أطاحت بنظام ديكتاتوري شبيه بالنظام الذي يسانده من يترأس هذه القمة تحت راية عدم الانحياز. فلو جاءت زيارة مرسي الى ايران في ظروف أخرى وفي مؤتمر أكثر مصداقية، لكان اختلف الوضع.

ففي ظل المتغيرات الكبيرة في المنطقة وتورط إيران في الشؤون الداخلية لأكثر من بلد عربي من خلال الطائفية والمذهبية وفي ظل انحياز ايران الكبير والمباشر لنظام القتل في سورية، من المضحك المبكي أن تترأس طهران قمة دول عدم الانحياز التي من أبرز أهدافها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتأييد حق تقرير المصير…ومن المضحك المبكي أن تشارك الدول العربية في هذه القمم المتناقضة الأهداف وخلال هذه الفترة من الزمن وفي ظل كل هذه المتغيرات التي تحدث في المنطقة.

ناقوس الخطر دقّ وحان وقت الوعي العربي الذي طالما انتقدته الأقلام وتم التداول به بين الناس، حان وقت وعي القادة العرب على حقيقة أنّ المشاركة في قمم الشعارات والتناقضات هذه، لن تقدم شيئاً الا المزيد من الوقت لقتل المدنيين الأبرياء في بلاد الشام..   

السابق
بلدية القليلة ترحب بدعم اتحاد البلديات لتأمين المازوت
التالي
رهانات ما بعد الأسد