أزمة في سوريا..لا ثورة!

هل أقفل النقاش فعلاً حول الموقف مما يجري في سوريا؟
هل بات على المرء ان يقول كلمة واحدة تختصر موقفاً كاملاً من أزمة بوجوه عدّة، وإلا فلا مجال للاستماع له، أو لمناقشته، قبولاً او رفضاً، او بين الامرين؟
هل بات على الناس، في اي موقع كانوا، أن يحسموا أمرهم، وان يقرّروا، بداهة، موقفاً يختلط فيه الاخلاقي بالسياسي بالفكري بالمهني، وان يقول اما نعم او لا؟
هل صحيح ان التعسف اللفظي المتعاظم من جانب فريقي الازمة السورية، داخلياً وخارجياً، يجب ان يكون الحكم، وبالتالي ينبغي اختيار الموقف رهن ما سيقرر هؤلاء من حكم على قائله؟
هل هي التجربة الاولى في حياة الشعوب والدول حتى يصير لزاماً على المرء، سواء كان فرداً او مجموعة أو شعباً او دولة، ان يتخذ موقفاً مختصراً بكلمة مباشرة تحدّد موقفه من طرفي الأزمة في سوريا؟
هل المعطيات المتوافرة بين أيدي الناس، العاديين أو الخبراء، كافية وشاملة ودقيقة لكي يُبنى على اساسها الموقف النهائي والواضح؟

هل طبيعة الازمة السورية طبيعة واحدة وثابتة لا متغيرات فيها، ولا تبدلات في المواقف والتصرفات، حتى يجوز إلزام المرء بموقف مختصر بكلمة مع او ضد؟
العقل الرياضي، المنفصل عن اي انفعالات، او العقل المبسّط المرتبط بكل انواع الانفعالات، لا يمكنه القبول بهذه المعادلة. وبالتالي، لا مجال تحت اي ظرف، وباسم اي عنوان، سياسي او انساني، أن يتم الزامنا بموقف مختصر بكلمة واحدة. الحقيقة الوحيدة التي يمكن لنا حسم موقفنا منها، من دون اي مداورة او تحوط او خلافه، هي حقيقة ان الولايات المتحدة الاميركية وعموم دول الغرب الاستعماري، ومعهم اسرائيل، هم الاعداء الحقيقيون لشعوبنا، وان هذه القوى أقنعت، بوسائل مختلفة، قسماً لا بأس به من أبناء جلدتنا بأن العدو يعيش بيننا، وانه واحد منا، وان الاولوية لضربه ومواجهته، وان التفكير بأي شيء اخر هو مضيعة للوقت. وهذا ما جعل افراداً، ولو صاروا على شكل مجموعات، يعتقدون ويصرحون بأن هذه الحقيقة لم تعد حقيقة مطلقة. وان الحقيقة الفعلية موجودة في مكان آخر. وهو ما يساعد على فهم الموقف الذي هم عليه الآن.

في سوريا ازمة فعلية. لها وجهها الداخلي المتصل بمطلب شعب يعاني من نظام مستبد. اقفل البلاد على حياة سياسية صحية. واعتمد سياسات اقتصادية واجتماعية ادت الى تدهور كبير في حياة الفقراء وأبناء الريف، والى حصر المغانم بيد فئة قليلة جداً، هي من صلب النظام الحاكم. وهو نظام مارس صنوفاً عدة من القهر والقمع ضد خصومه الداخليين.
في سوريا ازمة فعلية، لها وجهها الاقليمي المتصل بموقع سوريا السياسي خلال العقود الاربعة الماضية، والذي جعل منها لاعباً رئيسياً لم ينتظم، كما غيره، في سياق الخطط الاميركية في المنطقة. ولهذا الموقف أثمان باهظة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتنموياً.

في سوريا ازمة فعلية، لها وجهها المتصل مباشرة بالصراع مع اسرائيل، حيث نجحت في قيادة حركة مقاومة فعالة أثمرت نتائج باهرة في لبنان وفلسطين، ولعبت دوراً كبيراً في طرد الاحتلال الاميركي من العراق. ولهذا الجانب اثمان اكبر، تجعل من سوريا هدفاً مفتوحاً امام العدوان الاسرائيلي، وهي جعلت جيش سوريا يواجه سابقاً استحقاقات كبيرة، من حروبه مع اسرائيل في سوريا، او معاركه مع اسرائيل ومن معها في لبنان، دفع ثمنها آلاف الشهداء على مر العقود الماضية، وأدّت الى محاصرة سوريا، وعزلها ما امكن دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً، وخلاف ذلك. في سوريا أزمة فعلية، لها وجهها المتصل بأن بعض العرب والغرب قرر التعويض عن خسارته في العراق ولبنان وفلسطين، من خلال الاستيلاء على سوريا، ولو استلزم ذلك تدميرها بيتاً بيتاً. ولم يكن بالامكان تحقيق ذلك من دون الركون الى العنصر الداخلي. ذلك انه من دون مشاركة سوريين في هذه المعركة فلا وجود لها ولا طائل منها.

بهذا المعنى، يمكن للمرء ان يرى المشهد كاملاً، وان يقرر رؤية يستند عليها عندما يكون مضطراً لاعلان موقف ما. وهو المشهد الذي يفيد بأن تجاهل النظام في سوريا حاجة شعبه الى تغييرات حقيقية وجذرية، واتكاله على عناصر قوة اخرى، جعل الازمة تنطلق على وقع الانتفاضات العربية. وجعل قسماً من الشعب السوري يخرج الى الشارع مطالباً بالتغيير.

بهذا المعنى، يمكن فهم ان هذه الانتفاضة ما كانت لتكون شبيهة بما حصل في تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين، لأن طبيعة الشعب السوري مختلفة، ولأن طبيعة الحكم في سوريا مختلفة جداً، ولان طبيعة الانقسام السياسي والطائفي والاقلوي في سوريا مختلفة ايضاً. والاهم، هو ان نفوذ الخارج داخل سوريا محصور وضيق للغاية. فكانت المواجهة غير واضحة المعالم، بعدما كانت الانتفاضة الشعبية واضحة في مطالبها، قبل أن ينبري من تصدى للنطق باسمها، فوضع جدول أعمال آخر لها.

بهذا المعنى، يمكن فهم مسارعة الغرب وعرب الغرب الى اختطاف الانتفاضة السورية، والى جعلها تخضع لاعتبارات لا تخص اهل سوريا وحدهم. وهو ما جعل عملية الاختطاف، معطوفة على رفض النظام تحقيق تغييرات جذرية، تحوّل سوريا مسرحاً لمواجهة تتجاوز واقع الشعب السوري وطموحاته. فتكون النتيجة هذه المواجهة القائمة والمفتوحة الآن.
ليس لدينا ما يمنعنا من القول إن ما يجري في سوريا، اليوم، ليس ثورة، ولا يمكن اطلاق اسم الثورة عليه، مهما حاول المنتفعون قول ذلك!  

السابق
حملة إسرائيل تحب إيران!
التالي
هكذا اعتذر الأسد من سليمان