الأسد يكابر مع دنو السقوط

ما دام بشار الأسد يراهن بكل أمواله على حصان واحد في سباقه المحموم نحو قدره المحتوم، فبإمكانه الآن استغلال الوقت الضائع بالنسبة له ليطلق التصريحات المكابرة وهو سائر في عد عكسي غير قابل للانرداد نحو الهاوية.
وقت ضائع حقاً بالنسبة لحاكم دمشق لكنه مشبع بالدماء والأشلاء والحرائق والركام للشعب السوري الذي تزج معارضته البطلة بالمزيد من قواها المسلحة وفصائلها الثورية في طول سوريا وعرضها.
فالأسد يعتبر أن الحسم العسكري الموهوم المعتمد على الدعم اللوجستي والتقني للروس والإيرانيين بحاجة لوقت حتى يتمكن من انجازه. فهو يعتقد أن الوقت لمصلحته، يعض على الجراح التي أثخنته بها المعارضة الثورية من ضربات عسكرية نوعية: من الإطاحة بخلية إدارة الأزمة حيث أردت الرؤوس المدبّرة للجرائم ضد الانسانية التي تفتك بخيرة مناضلي الشعب السوري بل بالبسطاء الطيبين من نساء وأطفال وشيوخ، فتدير المجازر من بابا عمرو الى الخالدية في حمص الى حولا الى الرستن الى اعزاز الى بصرى الحرير والحراك وداريا حتى قلب دمشق، الى سقوط مواقعه الحدودية في البوكمال والقائم ودير الزور… ويلجأ الى نور المالكي الذي يستضيفه طيرانه الحربي فتغير طائراته مستخدمة المجال الجوي العراقي. وتتساقط مواقعه في حلب فيحوّل أحياء كاملة منها الى ركام. وها هو الآن يقاتل داخل دمشق من المزّة الى القابون الى جوبر الى الحجر الأسود الى القدم وصولاً الى أبو رمانه أكثر أحياء دمشق رقياً وعصرية.
إلا أن الحصان الواحد الذي يراهن بكل أمواله ورصيده عليه هو نفسه ليتعاطى معه على قاعدة أن نظامه متّجه بوتيرة متسارعة نحو السقوط. فلا تصريحات قدري جميل في موسكو، ولا تصريحات حلفائه الايرانيين حول الحوار المستحيل والعبثي تمهيداً لاستصدار توصيات لمصلحته في قمة دول عدم الانحياز في طهران بعد يومين لقادرة على إطالة عمر نظامه المتداعي المنهوك: لبعض الوقت؟ نعم الثورة السورية بحاجة لبعض الوقت لإنجاز مهمتها الرئيسة: اسقاط العاصمة وسقوط نظامه الدموي البربري الجاثم على صدور السوريين.
أما حديثه على أن الانشقاقات التي زعزعت كيان نظامه من رأسه الى أخمص قدميه "ليست سوى عملية تطهير" فليس سوى مكابرة ومحاولة ايهام ما تبقى له من أنصاره ان النظام ما زال متماسكاً صامداً. فعندما يلجأ رئيس وزرائه نفسه الى الخارج، وينشق العديد من السفراء وعدد متزايد من القادة العسكريين، فعن أي تطهير يتحدث حاكم دمشق وقد وصلت المعارك الى عقر داره، وأي تفسير يقدم للضربات الموجعة التي ألحقها به الثوار؟
لعل الأسد يدور بخلده اللجوء الى السلاح الكيماوي كورقة أخيرة وهو يعلم أن التفاهم الأميركي الروسي حول هذا الخيار الأقصى يعطل عملياً هذا الاحتمال الجنوني، لأن خياراً غبياً كهذا سوف يؤدي الى تداعيات خطيرة ليس بمقدور نظامه المتهدم تحمل نتائجها الاقليمية والدولية. وإذا كانت أوساطه قد سرّبت للاعلام احتمال نقلها الى لبنان وفي حال جرى استخدامها في مغامرة عسكرية جديدة عندنا دفاعاً عن النظام الايراني، فمعنى ذلك وقوع لبنان في كارثة العصر، على المغامرين التبصر كثيراً قبل الانزلاق الى هاوية بلا قرار.
أما المناطق العازلة أو الآمنة التي تشدد على وجوب استحداثها أنقرة وباريس والتي تلوح تركيا باللجوء إليها بعد تدفق اللاجئين السوريين الى أراضيها، فإن ذلك يتطلب موافقة حلف الناتو ومن ورائه واشنطن المنهمكة في انتخاباتها الرئاسية. ويعتمد الأسد على الفيتو الروسي الصيني لتعطيل هذا الاجراء بقرار من مجلس الأمن. ولم تلجأ تركيا لفرض غطاء جوي فوق حلب حتى الآن، مما يعطي النظام السوري فرصة لصب حمم طائراته الحربية على احيائها السكنية. ولعل من الضروري في هذا المجال الاقرار بأن عجزاً فاضحاً يحكم المجتمع الدولي والرأي العام العالمي الذي يتفرج على معركة حلب الضارية دون أن يبادر الى نجدة المعارضة حتى بالحد الأدنى من صواريخ أرض جو وهي ما زالت تقبع في عنابر الجيش التركي.
إن قلقاً عميقاً يسود أوساط المعارضة السورية والجيش السوري الحر حيال احتمال إطالة حرب التحرير حتى نهاية العام الحالي، ذلك أن ثمة اختلالاً فاضحاً في ميزان الأسلحة على ساحات القتال حيث ما زال الجيش السوري الحر بحاجة ماسة ليس للصواريخ أرض جو فحسب بل ايضاً للأجهزة الإلكترونية القادرة على تعطيل أو تشويش وسائل اتصال الجيش الأسدي. فلا بد من انجاز هذا الملف وذلك ضناً ورفقاً وحرصاً على دماء السوريين. وهو شرط رئيسي للإسراع بكنس نظام الأسد الذي يترنح وهو بحاجة للضربة القاضية لتنهيه.
  

السابق
شبح التفجير يختبئ وراء التوتير السياسي
التالي
حين يعترف قطب معارض، سورياً وانتخابياً …