رؤوس في دائرة الخطر فمَن يحميها؟

في تقدير النائب أحمد فتفت أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان تلقّى تهديداً من دمشق "بإلغائه جسديّاً"، لأنّها تعتبر موقفه في ملف سماحة "فعلاً هجومياً لا يقلُّ مفعوله عمّا تتعرّض له سوريا داخلياً على أيدي مجموعات إرهابية". وجاء التهديد واضحاً قبل أيام، نقلاً عن مسؤول سوري رفيع. عملياً، إنّه إِخبار للقضاء.

لم تكُن دمشق مضطرة إلى توجيه تهديد علني لرئيس لبناني منذ الطائف. فالرئيس الأول رينيه معوّض سَقَط على بوابة العهد. والرئيسان الياس الهراوي وإميل لحود عاشا، ولكن تحت الوصاية. ولم يرغب الثاني في الإفادة من إنجاز 14 آذار 2005. ولذلك، بالنسبة إلى دمشق، ستكون "نهاية العالم" عندما يخرج رئيس لبناني من الدائرة التي أرادتها له.

فهل رئيس الجمهورية مهدَّد فعلاً؟

أوساط عدّة تتقاطع على القول بذلك. ولكن، ليس الرئيس وحدَه في دائرة الخطر. وفئة المعرّضين للاستهداف باتت واسعة جدّاً وتشمل تنوّعاً من أوساط مختلفة! وهؤلاء، من مرجعيات وقيادات وكوادر، يشعرون بأنّهم مكشوفون في العراء، ومن دون أي ضامن.

ليس بعيداً، تمّت محاولة استهداف الدكتور سمير جعجع والنائب بطرس حرب، ووردت معلومات جدّية عن تهديدات للنائب سامي الجميل، وأخرى للنائب أكرم شهيّب ومن خلاله النائب وليد جنبلاط. والتهديد الدائم يدفع الرئيس سعد الحريري إلى البقاء خارجاً. وتُلزِم المخاوف الدائمة كوادر 14 آذار اتّخاذ جانب الحذر أمنياً. وكذلك، أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري عن تهديدات أمنية له.

وأمّا الأخطر، فهو احتمال استهداف الجسم الأمني والقضائي الناشط حالياً، سواء في ما يتعلّق بالمسار الذي تسلكه الملفات الموضوعة في يد المحكمة الدولية أم بالملف الملتهب الذي فرض نفسه أخيراً، أي ملف الوزير السابق ميشال سماحة.

وهناك خوف على حياة جميع المعنيين بهذه القضية، بدءاً من سماحة نفسه إلى المخبر ميلاد كفوري، إلى أسماء قد يكون التحقيق كشفها أو لا، وهي ما زالت في قبضة "أصحاب الملف". وبرّر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، أمس، قرار نقل سماحة إلى مبنى الشرطة العسكرية في الريحانية بالضرورات الأمنية. وكانت مصادر أمنية أشارت إلى أنّ من أسباب الدهم المباغت لمنزل سماحة في الجوار وتوقيفه، المحافظة على سلامته، ومنع "اختفائه".

لئلا تعود الدوامة

المتابعون يقولون: "لا قدرة للقوى العسكرية والأمنية على ضمان السلامة للجميع. ففي البلدان الأكثر تنظيماً وقوة وتماسكاً عسكرياً واستخبارياً لا أحد يستطيع الضمان الكامل للأمن، فكيف في ساحة مفتوحة ومخروقة وتتنازع فيها الأجهزة أو تتنافس؟

ومع أنّ الخطر شامل، فإنّ مصدره واحد. خطَر على أركان 14 آذار والنائب وليد جنبلاط لإخضاعهم، وخطَر على أهل الحكم لإبقائهم قيد الإقامة الجبرية، وخطَر على "الحلفاء" الصامتين الذين قد يتحوّلون يوماً "حصان طروادة"، وخطَر على الطاقم الأمني والقضائي إذا استمرّ جريئاً في كشف الحقائق، وخطَر على سماحة وسائر الذين قد تكون لهم صلة أو عِلمٌ بالملف.

ويمكن اليوم، في حال وحيدة، أن تتوقف التهديدات ومحاولات الاستهداف، وهي أن يتخلّى المعنيون عن القضية ويرضخوا للضغوط. عندئذٍ، لا حاجة إلى المخارج القسرية ذات الطابع الأمني، لا في استهداف الأشخاص ولا في إثارة الفتن والتوترات المتنقلة… وأساساً، لو كانت الساحة اللبنانية "مطواعة" كما يراد لها، لما كانت هناك حاجة إلى المغامرة بتدبير الملف الذي افتُضِح به سماحة.

في المرحلة المقبلة، سيكون الضغط قويّاً ليس على 14 آذار فحسب، بل خصوصاً على مرجعيات الحكم والمعنيين بملف سماحة والملفات الأخرى التي قد ترتبط به. والتحدّي هو في أن يصمد الطاقم المعني، في الحكم والقضاء والأمن، وأن يواجه هذه الضغوط، فلا يقع ولا ينزلق، ويمضي في كشف خفايا هذا الملف حتى النهاية.

والبديل سيكون البقاء في الدوامة المستمرة منذ عشرات السنين: "جرائم ولكن… بلا عقاب!"  

السابق
تصرفات مشينة
التالي
مياه باردة على عدم الإنحياز!