الانحياز وعدمه في طهران

تتسلم إيران رئاسة حركة عدم الانحياز اليوم وسط جملة من العواصف التي تتوالى على اجتياح المنطقة منذ قرابة العامين حين بدأت في تونس وانتقلت منها الى عدد من الدول العربية لتحط بشراسة في سورية التي تواصل مواجهتها بكل الوسائل المتاحة، بعدما تحولت فيها الى عاصفة دولية رأت في ما حصل فرصة لتغيير قواعد اللعبة التي حكمت المنطقة لأكثر من 30 عاماً، تفرض الحوادث الأساسية التي جرت خلالها وفي مقدمها فشلان كبيران: الأول، يتمثل بإخفاق الولايات المتحدة بتحقيق أهدافها من غزو العراق عام 2003، وثانيها، إخفاق العدو الإسرائيلي بتحقيق أهدافه بل خسارته في حربه على لبنان في العام 2006.
في المحطتين التاريخيتين كان يبرز الدور الإيراني الذي كان ولا يزال متقدماً في الحرب الدبلوماسية التي يخوضها للدفاع عن حقه بامتلاك الطاقة النووية وتقنيتها، كما يتقدم في مواجهته للعقوبات التي تفرض عليه تحت عناوين كثيرة اهمها ما برز أخيراً ومسمّاه أنه يدعم الدولة في سورية.

وإن كان تسلمّ إيران لرئاسة حركة عدم الانحياز للسنوات الثلاث المقبلة تزامن مع عواصف المنطقة وما تعيشه سورية من أوضاع صعبة، فإن طهران قد استعدت جيداً للعب دور بنّاء في مد جسور التواصل بين مختلف الجهات السياسية الدولية على مستوى الأزمات الكبرى في العالم، في حين أنها تعلم أن العصي في دواليب هذه المهمة قد وضعت سلفاً لمنعها من تحقيق إنجاز سياسي يضاف الى إنجازاتها.
لكن الواقع يقول إن تلك الجهات وبالرغم من «تمنعها» عن تسهيل تحرك الإيرانيين لإيجاد مناخات تعيد بث روح التواصل المقطوع منذ مدة طويلة بين اطراف النزاعات، إلا أنها «راغبة» وتحتاج بما لا يدع مجالا للشك، الى مثل هذه الفرصة من أجل تفادي الأسوأ حتى ولو كان تحت مظلة إيرانية يعتبرها العالم الغربي عنوان المشكلة، فيما المشاكل الأعمق تكمن في «الحرب الباردة» الحقيقية الجارية بين روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى.

إن كان من مجال للحديث عن «تسوية» في المنطقة فإنها ولا شك تبدأ من هناك أي من طهران حيث يجتمع العالم على مدى يومين ليعبّر عن عدم انحيازه إلا الى مناخات التهدئة والتفاهم على ما يرضي جميع الأطراف من دون أن يخسر أحد، فمبدأ «اللاغالب واللامغلوب» قد يكون جائزاً عندما يصار الى إعطاء كل ذي حق حقه، ولا يمكن افتراض أن التسويات تنطلق من سورية مثلاً حيث يضغط العالم الغربي ومعه «إسرائيل»، من أجل «كسر التوازن» الذي تحققه هذه الدولة العربية في أكبر نزاع تخوضه المنطقة منذ أكثر من ستين عاماً، ليصار بعد ذلك الى إكمال مشروع سيطرته على المنطقة ومحاصرة من بقي خارجها تمهيداً للسيطرة عليه وفق منطق القضم وإخضاع الشعوب.

واضح لدى الإيرانيين ما يريدونه من القمة وفق سقوف جرى الاتفاق عليها سلفاً مع الأصدقاء أولاً ومع الحلفاء ثانياً، ومنها أن تشكل القمة مناسبة لوضع أسس لحل الأزمة السورية لا سيما من خلال الدعوة لإطلاق حوار سوري – سوري ومن دون شروط، وقد صارت ورقته جاهزة بيد الفرقاء المعنيين، إلا أن ذلك سيبدأ بعد حملة «العلاقات العامة» التي حضرها المسؤولون عن القمة لإفساح المجال أمام الدبلوماسية السورية لفك الطوق المضروب عليها واطلاع الحاضرين على حقيقة الموقف السوري وما يجري من تدخلات غربية – عربية لتسعير الأزمة، الأمر الذي لم يحصل منذ بدايتها لأنها منعت من ذلك.

سيعمل الإيرانيون في قمة دول عدم الانحياز على فتح قنوات التواصل بين كل المجموعات من خلال من سيحضر من الدول التي يبدو أن تمثيلها سيشكل محفِّزاً على ذلك، وستطرح كل الملفات من دون حرج كما فتحت ابواب منشآتها النووية أمام الضيوف للاطلاع على إنجازاتها في هذا المجال، إلا أن طهران وبحسب مسؤولين مطلعين عن كثب على السياسة التي ستنتهجها في القمة، لم تستبعد إمكانية الفشل إذا ما أراد الطرف الآخر الذهاب بعيداً في «انحيازه»، وهي ترى أنها تقف على تقاطعات مثيرة من شأنها أن تحقق نجاحاً باهراً يخدم أهداف كل الطامحين الى تسجيلها بحدود، ومن دون أن تكون على حساب أحد.
المسؤولون الإيرانيون المطلعون يقولون إن قمة دول عدم الانحياز ربما تشكل الفرصة الأخيرة للخروج من عنق الزجاجة قبل الانفجار المحتم.  

السابق
مناورات عسكرية بحرية اسرائيلية قرب غزة
التالي
روبوت يقتحم عالم الجراحة في لبنان