إحتفالية بشير الجميل: أين فلسطينيته؟

الأسبوع الماضي أقيم احتفال في ذكرى تولّي بشير الجميل رئاسة الجمهورية قبل ثلاثين عاما.
المناسبة تضمّنت بل تركّزت على استعادة مشاهد مصورة لخطب كان يلقيها في تجمعات من مناصريه او كوادر حزبية كتائبية و "قوّاتية".
تابعتُ الحفل على شاشة التلفزيون بل ربما الأدق أن أقول "راقبتُ" هذا الحفل بمزيج من الفضول الشخصي والمتابعة السياسية. فبشير كان في جيلنا شخصاً شديد الأهمية طالباً ثم مقاتلاً ثم سياسيا. كان "الخصم" الأول للشق الآخر من هذا الجيل الذي قَسَمَتْهُ الحرب الأهلية واقْتَسَمَتْهُ ولم نكد نخرج بعد من كافيتيريا الجامعة.

لستُ في مجال استعادة ذكريات سياسية وشخصية فلم أعرف بشير مباشرة رغم العديد من معارفي الكتائبيين وعلى مستويات مختلفة قبل الحرب وخلالها بين البنادق والرصاص وبعدها بين السلم البارد والسلم المحبَط (هل تذكرون "الإحباط المسيحي"؟). هذا ليس موضوع عُجالتي وأمرُّ عليه هنا بسبب ما سأكتبه عن مناسبة حفل ذكرى رئاسة بشير.
الذي أدهشني فعلا في الحفل أن المنظِّمين بإسم أولويات الصراع الراهن لم ينقلوا مقطعا واحدا عن الموضوع الذي "صنع" بشيراً إذا جاز القول. وعبره برز بشير حاملاً إياه كمبررٍ رئيسيٍ بل وحيد لاندلاع الحرب الأهلية من وجهة نظر الأحزاب المسيحية اللبنانية. إنه طبعا الموضوع الفلسطيني!!

هل يعقل باسم التركيز على الموضوع السوري أن يجري تجاهل التاريخ بهذه الطريقة الفضائحية بحيث يحصل إهمالٌ مطلق لموقف بشير الجميل من الموضوع الفلسطيني؟
… لماذا؟ لأن التحالفات الحالية لـِ "منظمي الاحتفال" تستلزم التجاهل التام للحقيقة التي لا يمكن تجاهلها وهي أن الحرب الأهلية اندلعت بسبب اختلاف اللبنانيين، بين مسلمين ومسيحيين، على الموقف من الوجود الفلسطيني المسلّح على الأرض اللبنانية. مع العلم أنه كان بالإمكان إيجاد صيغة "محترَمة" و"محترِمة" للماضي في الحفل تسجّل بعض مواقف بشير من الفلسطينيين رغم حِدّتها التي لا تقل عن حدة مواقفه اللاحقة من النظام السوري بعد العام 1977، وهي مواقف لاشك براديكاليتها، أي ضد النظام السوري الذي كان بشير يسمّيه "السوري" فقط معظم الأحيان دون كلمة "نظام".

لا أقول أن منظّمي احتفال ذكرى بشير رئيسا للجمهورية وحدهم "المرتكبون" في هذا المجال. فهناك ظاهرة في الحياة السياسية اللبنانية (والعربية أيضا) تقوم على "التأريخ" في ظل احتدام الصراع السياسي. في الصراع السياسي أنتَ حرٌ أن تقول ما تريد وأن تنحاز إلى من تريد ولكن ادعاء "كتابة" التاريخ خصوصا "الكتابة المهرجانية" فيما أنتَ غاطسٌ في الصراع السياسي هي عادة سهلة لدى بعض السياسيين اللبنانيين كتغيير ملابسهم. في الصراع السياسي علينا أن نكون أمينين ومقْنِعين في نقل الحاضر، أما ادعاء صورة واحدة للماضي، لاسيما الماضي المعروف، فيعني إنزال "التأريخ" إلى "البازار".

ملاحظة أخيرة: أتكلّم هنا عن تجاهل "تأريخ" العداوات الإقليمية لا "الصداقات" الإقليمية المحرِجة أكثر… ففي الحروب الأهلية في البلدان الصغيرة، التفتّتُ لا يتخطى العجز بل ينتقل إلى عجزٍ آخر. وإذا كانت مناسبة هذا المقال تتعلق، بسبب صدفة احتفالية، بفريق دون فرقاء آخرين… فالأفضل أن أختمه بملاحظة تتعلق بنا جميعا كلبنانيين وهي أنني أشك كثيرا أننا تعلّمنا من تجربة حربنا الأهلية السابقة والمريرة والمتوحشة بل أجزم أننا لم نتعلم. فـ"قابليّتنا" للحرب الأهلية الجديدة لا تزال هي نفسها مع فارق أن جيلاً تقدم في العمر وتراجعت حيويّته فيما جيلٌ شاب ينتظرها بحماسة لا سيما هذه المرة في بيئتي الطائفيّتين السنية والشيعية ناهيك عن الدرزية. وأضِفْ على الإضافة بعضَ الشرائح من المقيمين اللبنانيين في الخارج المتلهِّفين للتحريض على القتال في الداخل بعدما هجّرتهمْ الحرب الأهلية السابقة فجدّدوا طاقاتهم (التعبوية فقط).
وهذا نقدٌ للمجتمع الطائفي المذهبي، لا فقط للطبقة السياسية سمسارةِ الحروب الأهلية ومجدِّدةِ ثرواتِها منها.  

السابق
تسعير المواجهة
التالي
واشنطن والخلاف على جلد الأسد