مرحلة ما بعد الأسد بدأت

عاد النشاط إلى الحياة السياسية الفرنسية، بعد انتهاء العطلة الصيفية. هموم فرنسا الداخلية وهي كثيرة، استبقت الأحداث الخارجية. الأغلبية والمعارضة عملتا على إعادة ترتيب "بيتهما" الداخلي. الرئيس فرنسوا هولند بحاجة لأن يثبت أنه رئيس عادي لكن ليس عاديا جداً أمام القرارات الكبرى وحتى اليومية. المعارضة اليمينية، واقعة في قلب دائرة الخلافة. الصراع قوي بين "الفيلة" على خلافة نيكولا ساركوزي الذي يتابع هذه "الحرب الصغيرة" من بعيد ولكن بقوة. مهم جداً معرفة مَن سيتولى زعامة الحزب بين فرنسوا فييون رئيس الوزراء السابق وجان فرنسوا كوبيه، في وقت فرض فيه آلان جوبيه نفسه حكماً على المعركة لأنّه غير مستعجل. يعرف جيداً أنّ الوقت ما زال باكراً على استنزاف قواه في صراعات داخلية قبل حلول استحقاق الانتخابات الرئاسية بعد أربع سنوات تقريباً.
الرئيس فرنسوا هولند، المتهم من المعارضة اليمينية بأنه لا يعرف ملفات السياسة الخارجية، وأنّ موقفه "مائع" و"غير فعّال"، في مواجهة الأزمة السورية بعكس مواقف سلفه نيكولا ساركوزي في الحالتين الجورجية والليبية، اختار دخول المسرح بقوّة من بوابة المؤتمر السنوي للسفراء الفرنسيين في الخارج. المعروف أنّ رئيس الجمهورية رسم أمام سفراء بلاده "خارطة طريق" كاملة لسياسته الخارجية لفترة عام كامل. وزير الخارجية لوران فابيوس له حق الاجتهاد في التنفيذ وليس في تغيير "الخارطة" التي يكون على اطلاع كامل عليها.
احتلت سوريا جزءاً مهماً من كلمة فرنسوا هولند. الدافع الأساسي لهذا الوضع ليس أخلاقياً، وإنما لأنّ خطر تمدّد النار خارج الحدود السورية إلى لبنان والاردن وتركيا وحتى العراق، أصبح "جدّياً" يجب التعامل معه بسرعة. من الواضح، أنّ هولند تحرّك بقوّة لأنّ "الموقف الغربي، تحديداً مع واشنطن ولندن، أصبح واحداً تقريباً. هذا الموقف تطوّر كثيراً، وهو يعمل على التوجّه نحو آفاق جديدة".

القاعدة الأولى في هذا التوجه:
بشار الأسد يجب أن يرحل، ولا يوجد حل سياسي معه.
انّ الوضع في سوريا غير محمول للضمير الإنساني وغير مقبول لأمن واستقرار المنطقة.
ضرورة إقامة منطقة عازلة.
يجب أن تشكّل المعارضة حكومة مؤقتة يتم الاعتراف بها فوراً.

هذا الموقف وهذه "الخارطة" مهمّان جداً. لكن المشكلة أنّه لا يمكن "صرفهما في أي مصرف دولي" حالياً. أمين الصندوق إذا صحّ "التشبيه" غارق في إعادة حساباته؛ المقصود أنّ الرئيس باراك اوباما مشغول بالانتخابات الرئاسية، وفرنسا وبريطانيا لا يمكنهما عمل شيء من دون الأميركيين. إذاً يجب الانتظار حتى مطلع تشرين الثاني. لكن هذا لا يعني الوقوف مكتوفي الأيدي. طالما أنّ الاتفاق أصبح قائماً على "رحيل الأسد"، فإنّه يمكن تنفيذ بعض الخطوات والقرارات المفيدة والتي يمكن استثمارها لاحقاً.

البند الأساسي في فترة الستين يوماً القادمة، يقوم أولاً على أساس أنّ الأخضر الابراهيمي لن يفعل شيئاً. من المفيد استثمار خبراته الديبلوماسية لكن مصير مهمّته لن يكون أفضل من مصير كوفي أنان. ثانياً يجب العمل على قلب موازين القوى في الصراع الدائر لفتح مسار إسقاط نظام الأسد. وهذا يعني دعم المسلحين السوريين الذين أصبح يطلق عليهم في فرنسا "المقاومة". من الواضح أيضاً أنّ هذا التوجّه يعني سقوط الحل السياسي نهائياً، لكن المشكلة في "غموض الوسائل لدعم هذه المقاومة خصوصاً وأنّها تفتقد قيادة مركزية". حتى الآن يبدو أن الدعم محصور بالدعم اللوجيستي والاتصالات والمعلومات.

إلى جانب ذلك- وهو مهم جداً، ويؤكد أنّ باريس ولندن وواشنطن وبون، قد دخلت في مسار تصفية نظام الأسد- إنّ العمل انتهى من إعداد ورقة من مئة صفحة جرى فيها رسم "مرحلة ما بعد الأسد". هذه الورقة الخارطة شارك في صياغتها عشرات الشخصيات والناشطين من الداخل السوري. لا تعني هذه الورقة انها "خارطة" نهائية وإنّما هي ورقة للنقاش لإغنائها.

طرح فرنسوا هولند تشكيل حكومة مؤقتة حساس جداً، وهو ليس أكثر من قمّة جبل الجليد. من المهم بالنسبة للغرب وحتى للعرب معرفة موازين القوى بين أطراف المعارضة، ومَن هي القوّة الوازنة فعلياً. الاعتماد في ذلك على قوى الداخل والعسكر بجميع أنواعهم. الخوف من القوى المتشدّدة يدفع كل العواصم للحذر الشديد. لم تيأس العواصم الغربية والعربية من مشاحنات وخلافات وانقسامات المعارضات السورية. ما زال يمكن العمل على بعض هذه القوى لكن في النهاية الوضع الميداني هو الذي يقرّر.

يبقى أخيراً، أنّ إسرائيل لاعب قوي وراء الستار. إسرائيل ما زالت مرتبكة وحائرة، مثلها مثل الغرب وربما أكثر تريد معرفة البديل. النظام الأسدي من الأب إلى الابن شكّل لها ضمانة أمنية طوال أربعين سنة تقريباً، لم تُطلَق رصاصة واحدة في الجولان. في الوقت نفسه تعرف إسرائيل وتريد أن يسقط النظام الأسدي لأنّ ذلك يضعف إيران وحزب الله. طبعاً تفضّل استمرار الحرب الداخلية وحتى "لبننة" سوريا، لكن المشكلة أنّ صبر العالم بدأ ينفد من الجرائم المرتكبة يومياً والتي تصل إلى حالة ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية.

أمام الشعب السوري ستون يوماً من الآلام والتضحيات وهي بلا شك ستكون أضخم من كل ما سبقها. ارتفاع حجم الخسائر يؤكد ذلك. النظام الأسدي ينفذ استراتيجية الأرض المحروقة على مثال الاستراتيجية الروسية في الشيشان. مشكلة الأسد أنّ سوريا ليست روسيا لكي يتعامل العالم معها بحذر شديد وحسابات مختلفة.
سقوط الحل السياسي بالنسبة للغرب والعرب، يعني أنّ عدّاً عكسياً جديداً قد بدأ، أساسه البحث عن صيغة لمرحلة ما بعد الأسد.
  

السابق
الكرة في ملعب ميقاتي فماذا يختار؟
التالي
مسؤول أمني إيراني سابق: اعتقلنا حسن نصر الله !؟