التحقيق والاعتراف

تحت عنوان "التحقيق والاعتراف" قدّمت "الجمهورية" مادة دسمة للبعثات الديبلوماسية المعتمدة، وانكبّت دوائرها على ترجمة ما نشر، والتدقيق في المعلومات واستنتاج الخلاصات، فيما دوائر الرصد في عواصم دول القرار، كانت تنتظر لتبني على الشيء مقتضاه.

ولم تتأخر ردود الفعل، حيث بادر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى تحميل كلّ من روسيا والصين مسؤوليّة تخاذل مجلس الأمن في اتخاذ قرار بشأن سوريا.

فرنسا، القلقة من نقل الفوضى إلى الداخل اللبناني، سبق أن أبدَت موقفاً من اعترافات الوزير السابق ميشال سماحة، لكن بعد المحضر الذي نشرته "الجمهوريّة" صوّبت اتهاماتها مباشرة ضدّ النظام، بعدما أدركت وجود مخطط واضح لا يقبل الشك، والدليل أنّ المتفجرات لو أخذت طريقها إلى التنفيذ… فسلام على لبنان، وعلى السلم الأهلي؟!

ووزّع الاتحاد الأوربي تقريراً عن التحقيق على اللجان المتخصصة، تمهيداً لصياغة موقف وقرار. الموقف يعلن تباعاً، ومن خلال تصريحات وزراء الخارجيّة وبعض كبار المسؤولين في دول الاتحاد. أما القرار فوجهته تكثيف الاتصالات مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن وخارجه، لفرض عقوبات جديدة رادعة، منها إمكان التفاهم على حظر جوّي، أو فرض منطقة عازلة، او ممرات إنسانيّة.

وتوقفت الديبلوماسية الأميركية عند محضر التحقيق، وأيضا عند ما جرى ويجري في طرابلس، والنتيجة أنّ "ضارب الطبل واحد، فيما الراقصون كثر"، وهنا تلتقي واشنطن مع باريس على التشهير بالنظام، وفضح محاولاته الدؤوبة لتصدير نتاجه الى السوق اللبنانية، إلّا أن المشاورات مستمّرة من دون توقف، وكل الأفكار والاقتراحات هي قيد الدرس لاختيار المناسب منها، لكن الأولويات الملحّة تقتصر آنيّاً على ثلاث:

– الأولوية الأولى: منع لبنان من الانزلاق نحو الفتنة الطائفيّة. هناك خطوط حمر ممنوع تجاوزها. وما يجري من خطف، وقتل، ونهب، وفلتان أمني، هو مقلق وخطير، لكنه لا يزال تحت السيطرة، وكلّ ما يخرج عن حدود السيطرة ويخرّب السلم الأهلي، هو ممنوع ومرفوض ومدان. وتدخل المحاولات السورية الرامية الى اغتيال السلم الأهلي، وزَجّ لبنان في أتون الفتنة، ضمن دائرة الممنوعات والمحظورات.

– الأولوية الثانية: زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر الى لبنان. تعير البعثات الأميركية – الأوروبية اهتماماً استثنائيّاً للزيارة، وهذا ما دفع العديد من المسؤولين والقيادات الى رسم علامات التعجّب حول هذه المبالغة في الاستفسار عن بعض النواحي اللوجستية التي يمكن أن تؤثر سلباً، حتى ولو كان مجرد خلل بروتوكولي طفيف.

باختصار، هناك ورشة عمل ديبلوماسيّة أمنيّة مخابراتيّة ناشطة في البلد اهتماما بزيارة ضيف لبنان الكبير، وتوفير كامل مستلزمات النجاح لها، حيث تلاقت مصالح الدول على أن تتم على أفضل ما يرام، وسط المتغيرات التي يشهدها العديد من دول المنطقة.

– الأولوية الثالثة: الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستبدأ أعمالها في نيويورك في النصف الثاني من أيلول.

هناك إصرار عربي على نقل الملف السوري بتداعياته الى حضن المنظمة الدولية، وإصرار من بعض الدول الأوروبية على نقل الملف اللبناني بهدف حمايته وتحصينه من التهديدات الإسرائيلية شبه اليومية بحجة وجود صواريخ إيرانية، تحت رعاية "حزب الله" وحسن تدبيره، موجهة ضدّ أهداف إسرائيلية إستراتيجية.

وحمايته أيضا من التهديدات السورية على غرار قافلة المتفجرات التي تمّ ضبطها في منتصف الطريق قبل أن تبلغ أهدافها، وإن كانت الحجة – الأقبح من ذنب – أنّ هناك سلاحا ومسلحين في طرابلس وعكار، بإشراف عمائم ملتحية، تدعم المعارضة وتريد النيل من النظام.

لقد أطلق محضر "التحقيق والاعتراف" دينامية ديبلوماسية وجهتها الدفاع عن لبنان في وجه كل من يحاول أن يقطره بالقاطرة السورية عن طريق نقل الحرب الأهلية اليه. وهناك استفهامات حول الغاية من انعقاد مؤتمر عدم الانحياز في إيران المنحازة كليّاً الى جانب النظام السوري؟ واستفهامات برسم لبنان، هل سيشارك في المؤتمر ليقول بالنأي بالنفس، فيما قافلة من العبوات كادت أن تفجّر سلمه الأهلي لو نجح المخطط، وتصِل الى الأهداف المرسومة لها؟

وأقصى ما تخشاه الدوائر الديبلوماسية الغربية، هي ردّة الفعل السورية. قبل نشر "المحضر" كان في الأمر نظر، وكان هناك في صفوف الناس والعامة، من يشكك، او من يعتقد بأنّ هناك الكثير من المبالغات والمزايدات، و"السكر زيادة" في القضيّة.

بعد نشر محضر التحقيق والاعتراف، "ذاب الثلج، وبان المرج"، وسقطت كل الأوهام، والتأويلات، والتفسيرات، والاجتهادات… فكيف سيكون الانتقام السوري، وردّة الفعل؟… وأين؟!  

السابق
وسام الحسن وفرع المعلومات
التالي
فوق الدكّة شرطوطة !