ربطة العنق التركية في حسابات حزب الله؟

كان الاعتذار مطلوباً من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله منذ اللحظة الأولى لخطف الزوار في حماه. ولاستحالة الخطوة طالت الأزمة، ودخلت شهرها الرابع فتوالت بيانات الشكر لـ"القائد المضياف" أبو ابراهيم، ومعها "براءات الذمة" للثورة السورية معطوفة على "عبارات التقدير" للأتراك التي حملتها "كرافات حمراء" في عنق حسين. فهل يتحمّل "حزب الله" مزيداً من ربطات العنق هذه؟

يوم السبت الماضي كان مطار بيروت الدولي على موعد مع طائرة تركية خاصة أقلّت أحد المفرج عنهم من المخطوفين اللبنانيين الأحد عشر. لم تُخطئ الطائرة موعدها، قصد وزير الداخلية ومعه نوّاب من حركة "أمل" وحزب الله والمدير العام للأمن العام المطارَ لدقائق معدودة سبقت هبوطها، فاستقبلوا حسين عمر وغادروا قاعة الشرف في أفضل الظروف.

شكرا لزعماء إعزاز الجدد!
حمل يوم السبت الماضي الرقم الخامس والتسعين للأزمة التي أنتجتها عملية الخطف على طريق العتبات المقدسة من إيران إلى الضاحية الجنوبية، فجاء حاملاً كلّ أشكال الشكر والتقدير للدور التركي ولقادة الثورة و"زعماء إعزاز الجدد" من "أبو ابراهيم" وهو "القائد المضياف" إلى النقيب فلان والمقدم علّان والعقيد فلتان، وصولاً إلى "المتربّع سعيداً" في مقعد الخارجية التركية أحمد داود أوغلو الذي بالغ في استثمار الخطوة إلى النهايات.

وتوقّف المراقبون مليّاً أمام "مسلسل المواعيد" الذي حملته الطائرة التركية الخاصة والتي حدّدها داود اوغلو من دون أي خطأ، ورأوا في كل ما حصل أنّ وزير الخارجية التركي وجّه إلى اللبنانيين رسالتين: واحدة مكتوبة نقلها مسؤول أمني واكب حسين عمر إلى بيروت وسلّمها إلى وزير الداخلية والمسؤولين الكبار، وأخرى أبلغ بكثير حملتها "ربطة العنق الحمراء" الموشّحة بالعلم التركي التي طوّقت حسين عمر طوال رحلة العبور من تركيا إلى لبنان، ومن المطار إلى الضاحية الجنوبية تحت عدسات كاميرات البث التلفزيوني المباشر إلى كلّ أصقاع العالم.

معطيات كانت مخفيّة
على هذه الخلفيات، بات من الضروري التطلّع إلى العملية من زوايا جديدة والبناء على معطيات أخرى كانت حتى يوم السبت الماضي وراء الكواليس. ومنها إلى اللحظة التي نفّذت فيها أولى المراحل التي تؤشّر إلى احتمال وجود حلّ شامل لأزمة المخطوفين العشرة الآخرين ـ إذا توافر هذا الحل – قبل أن تستنفد أغراضها إلى النهايات التي يريدونها، وهي ما زالت بعيدة المنال بُعد موعد سقوط النظام السوري أو بنحو يوازي مراحل انهياره.

ففي الكواليس معلومات كثيرة أظهرتها الوقائع، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أنّ المخطوفين هم في منطقة قريبة من الحدود السورية – التركية والتي لا يمكن العبور منها من دون تأشيرة ضابط الأمن العام التركي ولا يمكن الخروج منها من دون توقيع "أبو ابراهيم"، وفي جوازات سفر الوفود اللبنانية التي توجّهت إلى إعزاز الخبر اليقين وقد أُحضر نموذج منها أمام وزير الداخلية في اللقاء الذي جمعه وأهالي المخطوفين.

وفي ثاني الوقائع أنّ عملية خطف تركيين في لبنان فعلت فعلها، مهما كانت الآراء في شكلها وتوقيتها ومضمونها وما حملته من رسائل تسبّبت بندوب كبيرة في هيبة الدولة اللبنانية، لكنّ ما حصل جعل البحث في ملفّ تفكيك حقل ألغام المخطوفين بداية عبور ليست سهلة قبل أن يستفاد من كلّ دعسة فيه.

خدمات لا تُقاس للثورة!
ففي كلّ ما جرى على هامش إطلاق أحد المخطوفين خدمات لا تقاس للثورة السورية والخاطفين وللراعي التركي في آن. ومَن يتجاهل هذه الحقائق لم يكن أمام أيّ من شاشات البث المباشر التي ظهر فيها مَن يؤكّد أنّ الخاطفين والموجودين ليسوا إرهابيين ولا من القاعدة ولا ليبيين ولا سعوديين ولا قطريين ولا يمنيين ولا شيشانيين، "إنّهم سوريون فقط، سوريون عاشوا أربعة عقود ونيف تحت نير القهر والعبودية، لا يريدون مناصب ولا وزارات ولا نوّاباً، يريدون أن يكونوا أحراراً فقط لا غير".

وهل هنالك من مناسبة أفضل من هذه المناسبة للتركيز على هذه الشعارات فكيف إذا كان مطلقوها من الطرف الآخر الذي كان يناصر النظام ومعه محور الممانعة والمقاومة، ومن بقعة هي الضاحية الجنوبية تنادي للشعب السوري بالحرية.

لكن ما هو لافت أنّ شاشة "المنار" لم تلحظ كثيراً من هذه المشاهد فاقتصرت على التغطية شبه الرسمية من دون البث المباشر إلّا بالتقطير وما هو ضروري، وفي ذلك إشارة إلى أنّ ما تتحمله هذه الشاشة محدّد سلفاً في السياسة والأمن معاً، فهي بالتأكيد لا تتحمّل كثيراً من مظاهر "الكرافاتات الحمراء" إلى حين.  

السابق
دورات تدريبية
التالي
جنوح خارج السيطرة