دولة سائبة ومنقسمة.. لا تعلم ابناءها إلا الحرام !!

اذا ما اردنا كلمة مختصرة لما يدور من احداث دراماتيكية على الارض اللبنانية فيمكن القول ان ما يحكم الان منطق الـ "لا دولة " هنا للمقيمين، او هناك للمغتربين. لا شيء يشجع على العيش مع تنازلنا عن صفة "الكريم" في وطن الانقسام والخطف والسلب والقتل وتطول اللائحة مع احداث باتت تنغص حياة اللبنانيين. لا شيء يشجع حتى على لحظة تفكير لمغترب بمغامرة السفر الى لبنان بقضاء اجازة صيفية بين اهله واقاربه وهو اضعف الايمان امام من كان يحلم ويتطلع الى عودة نهائية تريحه من مرارة الغربة وقساوتها فوأد حلمه حتى اشعار اخر.

منطق اللادولة هو السائد هذه الايام، منطق العصابات الخارجة عن القانون والاجنحة المسلحة للعشائر والمذاهب والطوائف. منطق الخطف والخطف المضاد وتصفية الحسابات وفق منطق شريعة الغاب دون مراعاة حتى معرفة العواقب القانونية المترتبة على ذلك، هذا اذا ما بقي هناك من قانون وقضاء وامن في بلد باتت اوامر وتعليمات مجلس الامن المركزي فيه اشبه بنكت تثير الضحك والتهكم. في ظل منطق الدولة السائبة التي ما تعلم ابناؤها سوى الحرام. يكثر منطق الاجنحة المسلحة والمجالس العسكرية للعشائر والمذاهب والطوائف لتشكل بذلك معادلة جديدة بدلاً من معادلة لبنان القائم على العيش المشترك والتآلف بين جناحيه المسلم والمسيحي.

في ظل هكذا دولة عاجزة وغير قادرة على اطلاق سراح ضباط وجنود من جيشها وقواها المسلحة، اضطرت الى اعادة توقيفهم تحت ضغط خيمة ما تزال في حال جهوزية، وشباب على اهبة الاستعداد لقطع طريق واشعال اطارات، في ظل ذلك يبدو غير ممكناً على جيش افقدوه هيبة المكافحة والتصدي من ان يفرض سيطرته على مناطق نزاع وتقاتل مسلح سواء في طرابلس حيث يدفع اهلها فواتير صراعات اقليمية وسياسية مع خضوعهم لسلطة "قباضيات" الاحياء والزواريب، او عبر تقييد حركته الى الحد الاقصى في عكار وقراها حيث جرى تحويله بمباركة من نوابها وسياسييها الى ضيف ثقيل غير مرغوبا فيه. في ظل جيش وقوى امنية لا تمون على فتح طريق مطار دولي تقطع حسب الحاجة ومهما كان الطلب لدى فريق، وطريق مصنع اضحت ملازمة للفريق الاخر. في ظل ذلك لن يسترجع الجيش هيبته بعد ان تحولت تضحياته بفعل ارادة سياسية من تضحيات من المفترض ان تكون في مواجهة اي عدوان اسرائيلي محتمل، الى تضحيات يدفع ثمنها جرحى وشهداء من ضباطه وجنوده في محاولة منع اقتتال ابناء اهل البيت الواحد في طرابلس وغيرها وربما فات عليه "ان للحامي ثلاث ارباع العركة".

وماذا عن دولة القانون والعدل؟. وهل كان يجرأ آلـ"المقداد" بتنفيذ عملياتهم العسكرية ونشاطهم الميداني في خطف اهداف سورية وتركية على طول الاراضي اللبنانية كردّ فعل على اعتقال ابن عشيرتهم في سورية. لو ان دولتهم بدت غائبة عن السمع مع قضية احد عشر لبنانياً باتوا وخاطفيهم اشبه بمسلسل تلفزيوني يومي يتابع اللبنانيون حلقاته من دون معرفة متى تعرض الحلقة الاخيرة؟. الا تتحمل الدولة وحدها مسؤولية ما اقترفه "المقداديون" الجدد بعد ان فاوض وزير داخليتها وقادة اجهزتها الامنية لأسابيع شيخ، نفر من قومه واسروا مدينة باهلها ولم يرتحلوا الا بعد ان اخذوا موثقاً بعدم ملاحقتهم قضائياً والاعتراف بمربعهم الامني الجديد اسوة بغيرهم؟.

الم تفتح الدولة شهية الجناح العسكري "المقدادي" على التجاهر بالخطف بعد ان كانت اشد رأفة ورحمة بعملائها وخيانتهم العظمى، وبعد ان تحول "موقوف خطير" كشادي المولوي الى رمز في عيون اهله وابناء مدينته ومذهبه وصولاً الى الحد الذي استقله رئيس حكومته بسيارته ليوصله الى داره امام الملىء مكفراً عن ذنب اقترفه قضائه في لحظة ضعف.

لا لن تسترجع الدولة وقارها، ولن ترفع رأسها بين رعاياها بأستنابات قضائية لا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب فيه. لن تجمّل صورتها بمحاسبة وسائل اعلامية منقسمة تنقل واقع شعب ودولة منقسميين دون "روتوش" ودون اجراء عمليات تجميلية. لن تقطع يد من يقطع طريق المطار بعد ان فقد السياسيون السيطرة عليه وامسوا رهائن شارعهم. لن يوقف احد ولن يحاسب احد. من يحكم اليوم الشعب نفسه، لا مجلس نيابي يمثله، ولا قضاء يستند اليه، كل يأخذ حقه بيده وفق معادلة "الامر لي".
  

السابق
الرابط بين الدخل وعلاقة الحب
التالي
اسرائيل وايران: حلف ابدي