حماس والدرس الإيراني: دمشق بوابة العودة إلى طهران

 "وأتوا البيوت من أبوابها" ….

سورة البقرة، الآية 190

التصريحات التي أدلى بها المتحدث باسم حركة حماس "طاهر النونو" عن تلقي رئيس الحكومة الفلسطينية المُقالة في قطاع غزة "إسماعيل هنية" دعوةً لحضور قمة دول عدم الانحياز المقرر عقدها في طهران أواخر هذا الشهر (اغسطس 2012)، أثارت الكثير من اللغط ودفعت رئيس وزراء السلطة "سلام فياض" إلى مناشدة "هنية" عدم المشاركة التي ستساهم في تعميق الشرخ والانقسام الفلسطيني.

مسارعة حماس للاعلان عن وجود دعوة إيرانية لـ"هنية" قد يكون الهدف منها اللعب على التناقضات القائمة بين الإدارة الإيرانية والسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، خاصة وان موقف طهران معروف بتشدده في رفض هذه السلطة. ولم تتردد تاريخيا في التضييق عليها وإضعافها في الداخل لحساب قوى متحالفة معها، وفي الخارج في إطار محاولاتها الدؤوبة للمشاركة في رسم مستقبل القضية الفلسطينية، ان لم يكن مصادرة القرار برمته، ما يجعلها رقما صعبا في المعادلات الشرق أوسطية وشريكاً لا يمكن تجاوزه في اي حل متوقع او مفترض في المنطقة.

ومن غير المستبعد ان قيادة حماس حاولت من خلال هذا التصريح اثارة زوبعة سياسية واعلامية لجلب الانظار والتذكير بوجودها كأحد اطراف القضية الفلسطينية، خاصة وان هذا الاعلان جاء قبيل بدء اجتماعات وزراء خارجية الدول الاعضاء وبمشاركة وزير خارجية السلطة الفلسطينية "رياض المالكي"، الذي تدخل لدى الجانب الإيراني وحصل منه على تأكيد بعدم وجود مثل هذه الدعوة او هذا التوجه لدى الجانب الايراني.

وقد يكون الهدف الذي لعبت عليه قيادة حماس هو التأثير على أجواء الزيارة الحدث التي سيقوم بها الرئيس المصري محمد مرسي إلى ايران والتي تعتبر الأولى من نوعها لرئيس مصري منذ قيام النظام الاسلامي في ايران، خاصة وانها تتزامن مع الحملة القاسية التي شنّتها مؤسسات رسمية واعلامية ضد حركة حماس على خلفية الاحداث التي شهدتها صحراء سيناء.

اما من الناحية الإيرانية، فيبدو ان الادارة تفضل عدم المغامرة بتوجيه دعوة إلى حركة حماس على حساب السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة الدقيقة والمعقدة محليا واقليميا، وفي ظل حاجة إيران لحشد العدد الاكبر من المشاركين وعلى مستويات رفيعة.

وتضع القيادة الإيرانية في حساباتها ايضا مدى الآثار السلبية لمثل هذه الخطوة، في وقت تحاول الحصول على موافقة الدول العربية وخاصة الدول الخليجية للمشاركة في هذه القمة التي ستشكل ردا على الحصار السياسي المفروض على إيران من قبل المجتمع الدولي وتبني تلك الدول لهذا الحصار.

ومن المستبعد ان تلجأ إيران إلى هذه الخطوة في وقت تحاول استغلال هذه القمة كمنصة لإيصال خطابها وموقفها إلى المعنيين في المنطقة من القضايا المشتركة اقليميا، اولا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وعملية السلام ودور ايران، وذلك بحضور السلطة الفلسطينية، وثانيا تقديم الرؤية الإيرانية لحل الأزمة السورية امام كل الدول الاقليمية المعنية بهذه الأزمة ايضا، وثالثا الحصول على موقف مؤيد من هذه المجموعة الدولية يدعم حقها وبرنامجها النووي الذي تدعي وتؤكد انه سلمي.

وعلى المقلب الاخر، اي في الجانب المتعلق بالعلاقة بين طهران وحركة حماس، فان هذه العلاقة دخلت في مسار تراجعي واضح مع بدء الأزمة السورية والقرار الذي اتخذته هذه الحركة بالخروج من دمشق والانتقال إلى الحضن العربي الاوسع، خاصة إلى مصر والاردن وقطر، وان الزيارة الاقليمية التي قام بها اسماعيل هنية والتي شملت طهران لم تكن سوى زيارة لم تتعدَّ آثارها الجانب البروتوكولي الذي طغت عليه أجواء موقف حماس من الأزمة السورية.

من هنا فان التريث الإيراني في الرد على تصريحات "طاهر النونو"، المتحدث باسم حركة حماس، حول مشاركة هنية في قمة طهران لم يكن بعيدا عن "الخبث" السياسي الإيراني، الذي فضّل امتصاص الإحراج الذي قد تسببه مبادرة النونو للحديث عن وجود دعوة، او امتصاص الردود السلبية على هذه الدعوة في حال وُجدت ودفعت السلطة الفلسطينية للتدخل لدى طهران لقطع الطريق على هذه المشاركة مقابل ضمان مشاركة السلطة بوفد رفيع المستوى.

بالاضافة إلى هذا البعد، فمن غير المتوقع ان تقوم ايران بدعوة هنية بما يمثله في حركة حماس في هذه المرحلة الحرجة اقليميا، وفي وقت تسعى طهران لحشد التأييد إلى حليفها الاقليمي في سوريا من اي جهة اتى. خاصة وان هذه الدعوة والمشاركة قد تفسَّر وكأنهما مكافأة لحركة حماس على موقفها المتخلي عن النظام الذي احتضنها وقدم لها الدعموالتسهيلات في الفترة السابقة ولم تحفظ له هذا الحق والجميل، حسب المنطق الإيراني والسوري.

سياسيا، ابواب طهران لن توصد في وجه اي من قيادات هذه الحركة التي ترغب بزيارتها في أي وقت شاءت، لكنها لن تخرج عن إطار أبعادها البروتوكولية، ولن تكون مماثلة للزيارات السابقة التي كانت تحصل فيها على موقف إيراني داعم ماديا ومعنويا، وحتى عسكريا، في اطار المصالح المتبادلة وبما يخدم ويعزز موقف ودور حليفها السوري ومصالحه الاقليمية.

ولعل ما لم تدركه قيادة حركة حماس أن الشرط الإيراني لمثل هذه الدعوة او الشرط على مشاركة اسماعيل هنية في هذه القمة لا يمكن التساهل فيه، وهو شرط قد تصعب على حماس تلبيته او الالتزام به، لان أثمانه السياسية على هذه الحركة ستكون كبيرة، خاصة في آثاره السلبية على علاقاتها الاقليمية التي تعززت بعد ان اتخذت قرارا بالتخلي عن الحضن السوري.

لا شك ان قيادة حركة حماس قد تعرضت لضغوط إيرانية كبيرة في ما يتعلق بالموضوع السوري، وقد استطاعت حتى الان الصمود بوجه الشرط الإيراني الذي لخصته الزيارة الاخيرة لرئيس لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني "علاء الدين بروجوردي" إلى دمشق والموقف الصريح لمرشد النظام آية الله علي خامنئي الأخير وغير المسبوق بوضوحه الداعم للنظام السوري، وخلاصته منطوق الآية القرآنية "وأتوا البيوت من أبوابها". وباب طهران في هذه المرحلة هو دمشق، وان أي محاولة للدخول إلى طهران من غير النافذة ستُصَد او تُرفض بشدة، لان ذلك لن يساعد على ترميم الثقة التي اهتزت بشكل كبير بين الطرفين .

 

السابق
مسؤولون (علويون؟) باعوا أملاكهم بريف دمشق للتملك في محافظاتهم
التالي
شربل: دوافع ماليّة وراء اختطاف المواطن الكويتي عصام الحوطي