المعادلة الجديدة لحكومة «حزب الله»… في لبنان

ثمة من تحدّث عن انهيار الدولة اللبنانية ومؤسساتها والعودة الى ايّام الحرب الاهلية والميليشيات. وثمة من تحدّث عن محاولة واضحة لعزل لبنان وتأكيد انّه ليس سوى مستعمرة ايرانية وامتداد للمحور الايراني-العراقي- السوري.
كانت هذه بعض الاستنتاجات التي خرج بها اشخاص جدّيون ادركوا خطورة الاحداث الاخيرة في بيروت ومناطق لبنانية اخرى. شملت تلك الاحداث توجيه تهديدات الى الدول العربية الخليجية وتركيا، بما في ذلك وحدتها المرابطة في جنوب لبنان مع القوات الدولية، واغلاق طريق المطار بعض الوقت وخطف مواطنين سوريين ومواطنين تركيين وظهور مفاجئ لـ «جناح عسكري» لدى احدى العائلات.
في ظلّ هذه التعقيدات، وبكلام اوضح، يمكن اختصار الوضع اللبناني بأنّ النظام السوري يسعى بكلّ الوسائل الممكنة الى تفجير كبير في الوطن الصغير اعتقادا منه ان ذلك سيخفف من الضغط الذي يتعرّض له داخل سورية نفسها. هذا من جهة. من جهة اخرى، من الواضح ان «حزب الله» الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري الايراني» يسعى بدوره الى مساعدة النظام السوري في تفجير الوضع ولكن عن طريق ادوات له. بكلام اوضح، يريد «حزب الله»، بناء على طلب ايراني واضح، المحافظة على الحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي، وهي حكومته، وتفجير البلد في الوقت ذاته. هل مثل هذه المعادلة ممكنة؟ هل هي معادلة قابلة للحياة، خصوصا انّ على الحكومة اللبنانية، في ظلّ هذه المعادلة التفرّج على خطف مواطنين سوريين واتراك على الارض اللبنانية، بل تبرير عمليات الخطف هذه. اوليس هذا الطريق الاقصر لجعل لبنان عضوا اساسيا في نادي الدول الفاشلة؟
ما يغيب عن النظام السوري وعن كبار المسؤولين في ايران وعن «حزب الله» الذي يستخدم آل المقداد، وهم ابناء عائلة كريمة معروفة اصلا بأنّها على وفاق مع مكونات المجتمع اللبناني كله وجزء لا يتجزّأ منه، ان تفجير لبنان لا يفيد في شيء. او على الاصح، ليس في الامكان ابتزاز احد عن طريق لبنان، خصوصا اهل الخليج.
مشكلة النظام السوري مع السوريين وليس مع اللبنانيين. تكمن مشكلة النظام السوري وحلفائه في رفض الاعتراف انّ هناك ثورة حقيقية في سورية وان النظام القائم انتهى وان سورية لا يمكن ان تبقى مستعمرة ايرانية الى ابد الآبدين، كذلك لبنان. هذا كلّ ما في الامر. اما الباقي فتفاصيل. لكنّها تفاصيل مهمّة نظرا الى ان ان بلدا صغيرا مثل لبنان يمكن ان يعاني جراء ردود فعل الدوائر الرسمية، في دمشق او طهران. هذه الدوائر ترفض الاعتراف بالواقع المتمثّل في ان سورية تغيّرت وان الشعب لن يتراجع. هناك شعب يريد استعادة حريته وكرامته والانتهاء من حياة الذل التي فرضها عليه نظام يزيد عمره على نصف قرن لا همّ له سوى استعباد الناس باسم المقاومة احيانا والممانعة في احيان اخرى. هل الشعب السوري غبيّ الى درجة يعتقد فيها ان هناك شيئا اسمه مقاومة او ممانعة يمارسهما نظام لا يتقن سوى المتاجرة بسورية والسوريين ولبنان واللبنانيين وفلسطين والفلسطينيين… وكلّ من تقع يده عليه؟
ما حدث في لبنان قبل ايّام خطير، بل خطير جدّا. كشف اوّلا ان النظامين في ايران وسورية ما زالا يعتبران الوطن الصغير مستعمرة. ولذلك لم يتردد السيد حسن نصرالله، في خطابه الاخير، عن الحديث عن «الساحة» اللبنانية. قال صراحة: «هناك ساحة خرجت عن السيطرة» وذلك في تهديد واضح لابناء بلده ولكل مقيم على الارض اللبنانية!
ربّما كان الامين العام لـ «حزب الله» يتحدث عن تجرؤ السلطات اللبنانية، او ما بقي منها، على توقيف الوزير والنائب السابق ميشال سماحة المعروف بعلاقته الشخصية المباشرة مع الرئيس بشّار الاسد. ربّما اراد التنبيه الى خطورة كشف ما بقي من السلطات اللبنانية ان مصدر المتفجرات التي تسلّمها سماحة هو احد كبار المسؤولين عن الاجهزة الامنية السورية.
يبدو انه مفروض على لبنان البقاء تحت السيطرة. انها سيطرة النظامين الايراني والسوري التي تعني اوّل ما تعني استخدام «الساحة» اللبنانية للاساءة الى العرب واهل الخليج على وجه التحديد. الى اولئك الذين لم يقدموا سوى الخير للبنان واللبنانيين في كلّ الاحوال والظروف.
سيعاني لبنان الكثير في الايّام والاسابيع المقبلة. لكن الهجمة الايرانية- السورية على لبنان لن تغيّر شيئا في الواقع المتمثل في ان النظام السوري سقط وان سقوطه لا يمكن الا ان تكون له، في المدى الطويل، نتائج ايجابية في لبنان وسورية في آن.
الاهمّ من ذلك كلّه، سيتبيّن لإيران عاجلا ام آجلا ان اللبنانيين يرفضون ان تكون بيروت مدينة تابعة لها على المتوسط. سيتبيّن ان بيروت مدينة لبنانية وعربية وانها مدينة مقاومة وليست مدينة ايرانية. بيروت قاومت اسرائيل وقاومت المحاولات التي بذلها النظام السوري طوال ثلاثة عقود من اجل اخضاعها واذلال اهلها بكل طوائفهم ومذاهبهم.
لماذا ترفض طهران التعلّم من الدرس الذي تلقّاه النظام السوري في لبنان؟ من كان يتصوّر ان اللبنانيين سيخرجون يوما القوات التابعة للنظام السوري من بلدهم؟ اوليس ذلك سببا كافيا لاعادة النظر في مجمل السياسة الايرانية في لبنان والاعتراف بانّ اثارة الغرائز المذهبية وتغذيتها لا يمكن ان تؤدي سوى الى مشاكل ضخمة في الوطن الصغير، بما في ذلك تفتيت مؤسسات الدولة، من دون تحقيق اي خدمة للنظام السوري او لايران نفسها؟  

السابق
بالإذن من كل المذكورين…
التالي
لماذا «التطنيش» عن كلام علّوش؟!