الشرق الأوسط: لبنان: المجموعات المسلحة “تتمرد” على قرارات السياسيين

تفتح الأزمة السورية ذراعيها إلى مدينة طرابلس الواقعة في شمال لبنان، إذ يتواصل انفجار الوضع الأمني في منطقتي "باب التبانة" و"جبل محسن" لليوم السادس، يضاف إليها إحراق محال لعلويين في المدينة. الأمر رفضته القيادات السياسية السنية في طرابلس، وعلى رأسها "تيار المستقبل" و"تيار العزم" الموالي للرئيس نجيب ميقاتي. وقد علق المسؤول السياسي في "الحزب العربي الديمقراطي" رفعت علي عيد في اتصال مع "الشرق الأوسط" على إحراق محال العلويين بالقول: "إن مجموعات تابعة لتيار المستقبل تسعى إلى إثارة جو مذهبي في المدينة من خلال إحراق مصالح سكان علويين فيها"، موضحا: أن "(المستقبل) يقول دوما نفس الكلام ويستنكر، لكنه لا يفعل أي شيء لضبط قاعدته الشعبية ومجموعاته المسلحة المذهبية"، مؤكدا أن "على الدولة حماية مصالح العلويين في المدينة وعلى الجيش أن يضرب بيد من حديد المخلين بأمنها".
وتساءل عيد عن سبب فتح المعارك من جديد، مؤكدا أن "لا علاقة لنا بمقتل الشاب أول من أمس، إذ يبعد مكان مقتله عن جبل محسن عشرات الكيلومترات ولا يمكن لأي مسلح أن يقنصه"، ملمحا إلى "طرف" يسعى لتأجيج الاشتباكات، واتهم عيد "السعودية وقطر بتمويل مشروع إقليمي لزعزعة الوضع، مستفيدين من حلفائهم اللبنانيين"، مشيرا إلى "التزام أهالي جبل محسن بخط الممانعة والمقاومة ودعم النظام السوري". رافضا القول بأن مصدر الدعم بالسلاح هو من حزب الله، كاشفا أن "سكان الجبل يشترون أسلحتهم من تيار المستقبل".
في المقابل، لم تفلح بعد محاولات الرئيس نجيب ميقاتي ووزير الداخلية مروان شربل لتطويق "الاشتباكات"، حيث تشهد الأحياء الداخلية وخطوط التماس بين المنطقتين نزاعا "مذهبيا" ذا إطار سياسي قائم على المتغيرات الميدانية في سوريا. ويؤكد عيد لـ"الشرق الأوسط" أن "منطقة جبل محسن غير معنية بالاجتماعات التي تجري، بعد أن تم استثناء أطرافها من الاجتماع"، متهما المجتمعين بـ"إشعال الوضع".
من ناحيته، وجه النائب عن تيار المستقبل مصطفى علوش في اتصال مع "الشرق الأوسط" اتهاما مباشرا إلى النظام السوري بـ"تفجير الوضع في طرابلس"، معتبرا أن "النظام السوري مصر على استعمال أهالي باب التبانة وجبل محسن كضحايا لمشاريعه على مدى 37 سنة"، موضحا أن "نظام الأسد يسعى بعد فشله في ضرب شمال لبنان بعد فضح الوزير السابق ميشال سماحة بالتخطيط لتفجيرات متنقلة، للعودة إلى استخدام المنطقتين كوقود سياسي وأمني لتغطية أعماله الإجرامية في الداخل السوري", مشددا على ضرورة "حماية الساحة اللبنانية من محاولات تصدير الأزمة السورية إلى لبنان"، ولافتا إلى "وجود أطراف داخلية وإقليمية تعمل على إشعال الوضع في طرابلس"، مضيفا أن "إيران مستفيدة كما حليفها حزب الله من إشعال الوضع لمبررات إقليمية بحتة"، مشيرا إلى أن "الرئيس نجيب ميقاتي متورط في تسليح مجموعات في باب التبانة وتعمل هذه المجموعات على التحريض والقتل"، نافيا "وجود مجموعات مسلحة من قبل تيار المستقبل".
ويلفت علوش لـ"الشرق الأوسط" إلى "خروج مجموعات مسلحة عن السيطرة السياسية والأمنية من خلال رفضها قرارات وقف إطلاق النار"، هذا الأمر الذي يثير مخاوف كبرى من إمكان تحول تلك المناطق إلى حاضنة للمتطرفين أو الخارجين عن القانون. وفي المقابل يرفض المسؤول الميداني في باب التبانة محمد خلف في اتصال مع "الشرق الأوسط" هذا التوصيف، معتبرا أن "النظام السوري يسعى إلى تشويه صورة باب التبانة واعتبارها منطقة موبوءة بعناصر لـ(القاعدة)"، مشددا على "ضرورة الالتزام بضبط النفس وبقرار الجيش اللبناني بالحسم الأمني".
وأشارت مصادر عسكرية لـ"الشرق الأوسط" إلى أن قيادة الجيش اللبناني ستسعى بداية إلى وقف دائم لإطلاق النار، ثم العمل على تهيئة الأجواء الملائمة لكسر الحواجز النفسية والمعنوية المرفوعة بين التبانة والقبة وجبل محسن، ومن ثم عقد لقاءات مشتركة مصغرة بين كوادر المجموعات المسلحة، هذا الأمر الذي يرفضه تماما خلف، معتبرا أن "لا حلول في هذه الأزمة سوى باستئصال حزب رفعت عيد من جبل محسن وتحرير الناس من إجرامه وإجرام النظام الذي يدعمه". وتوقفت المصادر العسكرية عند ظاهرة تمرد بعض المجموعات المسلحة على السياسيين وعلى سلطة الدولة وهيبة مؤسساتها، معتبرة أن هذا "ما لا يمكن أن تسمح به المؤسسة العسكرية التي تريد أن تمنح طرابلس الأمن والحماية".
وفي ظلّ الهدنة الهشة التي تشهدها المدينة، منذ إعلان وقف إطلاق النار الأخير فيها مساء الأربعاء وتكثيف الجيش إجراءاته سعيا إلى تثبيتها، لم تتوقف عمليات القنص المتبادلة بين مسلحي باب التبانة وجبل محسن؛ إذ تتكئ طرابلس على وضع أمني "مهتز"، ووصلت حصيلة الاشتباكات في اليومين الأخيرين إلى 14 قتيلا وأكثر من 50 جريحا.
وقد عقد اجتماع أمني وسياسي في دارة الرئيس ميقاتي في طرابلس طلب فيه المجتمعون من القضاء إصدار الاستنابات القضائية في حق المخلين بالأمن. وأعلن ميقاتي أن "الغطاء السياسي للجيش معطى من جانبنا ومن كل الأطراف من دون استثناء ولا أحد يغطي أي مرتكب ورفع الغطاء السياسي يشمل كل المخالفين في كل المناطق".
ولم تخرج الاجتماعات المتتالية مساء الخميس، بأي نتيجة ملحوظة على الوضع الميداني، بل زادت الأمر تعقيدا بعد استثناء رفعت عيد المسؤول السياسي في "الحزب العربي الديمقراطي" من الاجتماعين. ويلفت محمد خلف لـ"الشرق الأوسط" إلى "التزام مسلحي باب التبانة بقرار وقف إطلاق النار"، مؤكدا "استمرار عمليات القنص من جهة جبل محسن"، ومعتبرا أن "قرار عدم التزام الجانب العلوي بوقف إطلاق النار سببه استثناء عيد من الاجتماعات".  

السابق
الجمهورية: تسطير إستنابات في أحداث طرابلس وتجاهُل عمليات الخطف
التالي
الحياة: لقاء “مصارحة ومكاشفة” بين نواب “المستقبل” وقائد الجيش