الجمهورية: تسطير إستنابات في أحداث طرابلس وتجاهُل عمليات الخطف

في موازاة غليان الساحة السورية، وعلى خلفية النزاع القائم هناك، يظلّ الشأن الأمني اللبناني متقدّماً على ما عداه من اهتمامات، ويبقى المشهد الطرابلسي في الواجهة، في ضوء فشلِ المساعي الحكوميّة المبذولة لوضع حدّ نهائيّ للتدهور الحاصل بشكل دراماتيكي، فيما أعلن وزير الداخلية مروان شربل أنّ "الخطة الأمنية تحتاج إلى 48 ساعة لتطبيقها، حتى يتمكّن الجيش اللبناني من الانتشار في كلّ النقاط التي تمكّنه من القيام بالاستطلاع اللازم بين منطقتي جبل محسن وباب التبّانة لتحديد مصادر النيران للردّ عليها وإسكاتها.

لم يصمد طويلاً قرار وقف إطلاق النار الرسمي في عاصمة الشمال، والذي أمكن التوصّل إليه بعد اجتماع وزاري وأمني، أطلق يد الجيش اللبناني في ملاحقة المُخلّين، حيث تجدّدت الاشتباكات بين باب التبّانة وجبل محسن في الساعات الأخيرة وتوسّعت رقعتها، مترافقة مع تكرار ظاهرة الاعتداء على المحالّ التجارية والمنازل وإحراقها، وسط انتشار كثيف للمسلّحين الملثّمين. وحصدَ رصاص القنص في طرابلس حتى ليل أمس ثلاثة قتلى بينهم أحد المشايخ السلفيّين، وأكثر من 20 جريحاً بينهم 9 عسكريين ومراسلة كندية ومهندسُ بثّ مباشر في قناة "سكاي نيوز".
مصادر أمنية رفيعة لـ"الجمهورية"
وعلمت "الجمهورية" من مصادر أمنيّة رفيعة أنّ "قيادة الجيش تقوم باتصالات مع مسؤولي الأحياء الذين لم يتعاطوا بإيجابية مع مبادرتها، حتى إنّهم لم يستمعوا لمرؤوسيهم"، وأكّدت "أنّ الجيش اللبناني فوجئ بوجود مجموعة كبيرة من السلفيّين، إضافةً إلى وجود مدافع الهاون، وكمّية من السلاح المتطوّر، وبأعداد كبيرة وبمواصفات عالية".
وشدّدت المصادر على أنّ عناصر الجيش اللبناني لم ولن تنسحب ولو للحظة من مناطق الاشتباكات، وستعمل جاهدةً لإعادة أجواء المدينة الى استقرارها، وقد أرسلت قيادة الجيش أمس فوج مغاوير البحر إلى المنطقة، وهي ستردّ على مصادر النيران، أيّاً تكن الجهة المطلقة".
مصادر وزارية
وأكّدت مصادر وزارية لـ"الجمهورية" أنّ متابعتها الحثيثة للأحداث في طرابلس أظهرت بشكل لا يحتمل الالتباس أنّ الطرف المتورّط في الجولة الأخيرة من العنف هو رفعت عيد الذي يرفض التجاوب مع الاتّصالات الهادفة إلى التهدئة ووقف إطلاق النار، وحيث إنّ تنظيمه يعمل على خرق اتّفاقات الهدنة، الأمر الذي يؤشّر إلى وجود قرار خارجي بإبقاء النزف قائماً على الساحة الطرابلسية.
وزير طرابلسي
في هذا الوقت، قال أحد الوزراء الطرابلسيّين الذين شاركوا في اجتماع طرابلس الوزاري ـ الأمني أمس الأوّل لـ"الجمهورية" إنّ الوضع في طرابلس أمام احتمالين: إمّا أن يقتنع المتقاتلون بأنّ هذه الحرب لن تقدّم ولن تؤخّر في أحداث سوريا وليست هي التي ستغيّر الموازين في سيطرة النظام أو المعارضة في آن، وإمّا أن تبقى قائمة تستنزف أمن المدينة واقتصادها وأمن أهاليها وسكّانها إلى أن تنتهي أحداث سوريا، من دون أيّ أفق يشير إلى أيّ موعد.
وفي المواقف، شدّد رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية على أنّ "الجيش وحده قادر على ضبط الوضع، وهو المرجعية الصالحة التي لديها غطاء من كلّ السياسيين اللبنانيين"، متمنّيا لو كانت الأمور أفضل من ذلك، وخصوصاً أنّنا مررنا بتجارب علّمتنا أنّ كلّ ما حصل لم يغيّر شيئاً لا بأحداث المنطقة ولا بجغرافيتها ولا بسياستها.
قلق أميركي
في غضون ذلك، ارتفع منسوب التحذيرات الدولية من امتداد النزاع السوري إلى لبنان، وأبدت الولايات المتحدة الأميركية قلقها من العنف المتواصل في مدينة طرابلس، وأسفت لسقوط قتلى وجرحى هناك، وطالبت الجهات كافة بضبط النفس واحترام أمن لبنان واستقراره.
ودعت السفارة الأميركية في بيروت عبر "تويتر"، نظام الرئيس السوري بشّار الأسد إلى احترام سيادة واستقلال لبنان، ودانت القصف السوري المستمرّ على الأراضي اللبنانية، لافتةً إلى أنّه يجب محاسبة المسؤولين في نظام الأسد عن محاولات زعزعة الاستقرار في لبنان.
… وآخر روسي
كذلك أبدت روسيا قلقها من تفاقم الوضع في طرابلس، ودعت جميع الأطراف إلى الكفّ عن العمليات العسكرية واحترام وقف إطلاق النار الذي تمّ تحقيقه، رافضةً أيّ تدخّل أجنبي في الشؤون اللبنانية.
ووفق بيان وزارة الخارجية الروسية، فإنّ موسكو أعربت عن قلقها العميق "حيال ارتفاع مستوى العنف والمواجهات في طرابلس، وإنّنا متأكّدون من أنّه لا يمكن ضمان الاستقرار والتنمية الديموقراطية والاجتماعية والاقتصادية المستدامة في لبنان وفق طموحات جميع مواطنيه إلّا بهذه الطريق". وجدّد البيان "دعم روسيا الثابت لسيادة لبنان ووحدة أراضيه واستقلاله ورفض أيّ تدخّل أجنبي في شؤونه".
…وبريطاني
ونقل السفير البريطاني في بيروت توم فليتشر قلق بلاده وقلق المجتمع الدولي الكبير بشأن وجود دلالات على تدخّل خارجي في لبنان وخصوصاً بالنسبة إلى الوضع في طرابلس، قائلاً: "وما يجعلني قلقاً هو كون النظام السوري يريد تصدير بعض من أزمته إلى دول الجوار، ومن الواضح أنّ هذا الأمر غير مقبول بالنسبة إلينا وللمجتمع الدولي بشكل أوسع".
وتحذير إيراني
وحذّرت إيران على لسان سفيرها في دمشق محمد رضا رؤوف شيباني من أنّ "أعمال العنف في سوريا قد تصبح أكثر تعقيداً وتمتدّ إلى الدول العربية المجاورة".
في الموازاة، ذكرت صحيفة "معاريف" أنّ أجهزة الاستخبارات الأميركية تلقّت أخيراً معلومات جديدة مفادها أنّ "إيران صعّدت من ضغوطها على نظام بشار الأسد كي يقوم بنقل الأسلحة الكيماوية الموجودة في حوزته إلى "حزب الله" خشية أن تقع هذه الأسلحة في أيدي الثوار السوريين"، ولفتت إلى أنّ الإدارة الأميركية أبلغت الدول الصديقة لها بهذه المعلومات التي تشير حسب مصادر غربية إلى أنّ النظام الإيراني هو الآخر يعتقد بأنّ نظام الأسد لن يبقى لوقت طويل".
الاستنابات القضائية
وعلى الخط القضائي، وكما أشارت "الجمهورية"، فقد عقد أمس الاجتماع الموسّع للمدّعين العامين في المناطق اللبنانية كافّة والمحكمة العسكرية بناءً على دعوة مدّعي عام التمييز بالإنابة سمير حمّود، وفي حضور وزير العدل شكيب قرطباوي. وخُصّص للبحث في الأوضاع القضائية التي تعني النيابات العامة في ظلّ الحوادث الأمنية التي يشهدها لبنان. وتمّ الاتّفاق على التشدد في المسار القانوني وإصدار الاستنابات القضائية المناسبة وكلّ ما يقتضيه الوضع في إطار الإجراءات التي يسمح بها القانون، وعلى متابعة الموضوع في اجتماع لاحق يُعقد في الأسبوع المقبل.
وقد سطّر مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر استنابات قضائيّة إلى جميع الأجهزة الأمنية والعسكرية، لمعرفة الأشخاص المسلحين في أحداث طرابلس الأخيرة وكشف هويتهم وملاحقتهم وتوقيفهم، ولا سيّما الذين يظهرون على شاشات التلفزة.
وأكّد وزير العدل شكيب قرطباوي لـ"الجمهورية" وجود "استنابات قضائية في حقّ جميع المخلّين بالأمن فضلاً عن المحاضر المفتوحة في كل الأحداث الأمنيّة"، من دون أيّ شارة إلى الاستنابات الخاصة بعمليات الخطف التي قام بها عائلة المقداد والعشائر التي ناصرتها وأحداث المطار، لافتاً إلى أنّ "القضاء يقوم بواجبه"، ووصف الاجتماع الذي عقده أمس مع المدّعين العامين بـ"الكبير والمهم"، مشيراً إلى "أنّ القضاء يعمل بصمت وبعيداً من الإعلام".
الأمن من البقاع إلى طرابلس
وعلى رغم إعلان الجناح العسكري لآل المقداد توقيف كلّ عمليات الخطف على الأراضي اللبنانية، فقد استؤنفت أعمال خطف السوريين أمس حيث خطف مسلّحون مساء أمس مواطناً سورياً عند مفرق بلدة إيعات في بعلبك.
وذكرت المعلومات أنّ لقاءً عُقد أمس الأول بين المدير العالم للأمن العام اللواء عباس ابراهيم ومسؤولين من رابطة آل المقداد خُصّص للبحث في ما آلت إليه التطورات بعد عمليات الخطف الأخيرة ومصير المخطوفين التركيين.
وانتهى النقاش الذي استمرّ نحو ساعتين إلى نتائج إيجابية بتهدئة الوضع ووقف كلّ أعمال الخطف وإنهاء المظاهر المسلحة، من دون أن يلامس الاتّفاق أيّ خطوات تتّصل بموعد ما للإفراج عن المخطوف التركي لديهم لكنّهم طمأنوا إلى أنّه في صحة جيدة.
وقالت مصادر اطّلعت على نتائج الاجتماع إنّ الوصول إلى خطوات متقدّمة ما يزال بحاجة إلى المزيد من المساعي المبذولة في لبنان وتركيا من أجل تحديد مواعيد مهمّة تتّصل بمصير المخطوفين جميعاً.
وأمس، كشف عباس أمام وفد من نقابة المحررين اللبنانيين أنّ الأتراك لم يضعوا أيّ شرط يتّصل بالإفراج عن مخطوفيهم في بيروت قبل استكمال مساعيهم للإفراج عن المخطوفين اللبنانيين الأحد عشر في سوريا.
وأكّد عباس، حسب معلومات "الجمهورية"، أنّه تلقّى أمس الأول تأكيدات من مدير المخابرات التركية طمأنه إلى صحّة جميع المخطوفين وهو في انتظار معلومات جديدة في الساعات المقبلة ليبنى على جديدها ومدى أهميته الخطوة التالية وخصوصاً تلك التي تتّصل بالزيارة الثانية لوزير الداخلية مروان شربل إلى أنقرة.
وملف سماحة ينتظر
على خطّ موازٍ، غابت التطوّرات المحيطة بملفّ الوزير والنائب السابق ميشال سماحة للأسبوع الثاني على التوالي وبقيت الساحة خالية للتسريبات والأمنيات التي لا تتّصل بما شهدته التحقيقات الأولية التي ختمت قبل أحد عشر يوماً.
وقالت مصادر مطلعة لـ"الجمهورية" إنّ أيّ اتصال لم يحصل أمس بين قاضي التحقيق العسكري رياض أبو غيدا وأيّ من وكلاء الدفاع أو مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية .
وتوقّعت مصادر وكلاء الدفاع أن يتواصل أحدهم مع أبو غيدا مطلع الأسبوع المقبل لاستكشاف المراحل المقبلة.
خطّة الابراهيمي لن تشمل الأسد
إقليمياً، نقل مراسل "الجمهورية" في واشنطن عن ديبلوماسي دولي رفيع في نيويورك أنّ مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي سيطرح رؤيته للمرحلة الانتقالية في سوريا في أثناء الاجتماع المقرّر لمجلس الأمن على المستوى الوزاري في 30 آب الحالي. وأكّد المصدر نفسه أنّ الخطة التي سيطرحها الإبراهيمي للعملية الانتقالية لا تتضمّن أيّ دور للرئيس السوري بشار الأسد، وسيكون للجيش السوري دور مهمّ في المرحلة الانتقالية. وأشار إلى أنّ التململ بلغ مستوى عالياً في صفوف القادة السياسيين والعسكريين والديبلوماسيين في الحكومة السورية، وقد بدأت روسيا والصين تُبديان تفهّماً واقعياً للتطوّرات في سوريا.
وتُعدّ فرنسا لعقد اجتماع على المستوى الوزاري في مجلس الأمن فيما أكّد ديبلوماسيون أنّ المشاركة العربية والإسلامية ستكون كثيفة في هذا الاجتماع.
وقد عقد الإبراهيمي اجتماعاً مُغلقاً مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على أن يلتقي لاحقاً رئيس مجلس الأمن للشهر الحالي السفير الفرنسي جيرار آرو.
وأكّد الإبراهيمي أنّه "يتشرّف ويشعر بالإطراء والتواضع والخوف" إزاء قيادة الجهود الدولية لإحلال السلام في ذلك البلد. وقال للامين العام: "عندما دعوتني لتولي هذه المهمة قلت لك إنّي أشعر بالشرف والإطراء والتواضع والخوف لهذه الدعوة، وما تزال هذه مشاعري الآن".
واعتبر أنّ "الشعب السوري هم سادتنا، وسنولي مصالحهم الأولوية على ما سواها، سنحاول مساعدتهم بأقصى ما أوتينا من طاقة. لنرَ ما نحن فاعلون". ?  

السابق
الأخبار: الدولة العاجزة تهدّد المسلّحين بـ”استنابات”
التالي
الشرق الأوسط: لبنان: المجموعات المسلحة “تتمرد” على قرارات السياسيين