الإشكالات الفردية… إرث اللبناني المر

إشكال فردي"… عبارة تتكرر يومياً على مسامع اللبنانيين، وهي ليست وليدة اليوم بل ثقافة متوارثة ومتربصة بعقلية كل مواطن، حيث تعود ان يأخذ حقه بيده بعد ان تأكد على مر الحكومات المتعاقبة ان هيبة الدولة تسقط عند حدود الأعراف، والمناطق. ليصبح سلب الروح مباحاً ومحللا للجميع، حتى على موقف سيارة بات من الممكن قتل الجار، وتكر السبحة لتمر بجرائم الشرف، والثأر، وطبعاً الاختلاف السياسي.

في النشرة الأمنية لكل المؤسسات الإعلامية، المسموعة منها والمقروءة وحتى الإلكترونية تتربع اخبار الحوادث الفردية على عرش الأكثر استقطابا للشعب اللبناني. ومنها مثلاً إشكال في منطقة معينة ينتج عنه تضارب في الآلات الحادة ليتطور الى اطلاق نار، يسقط جراءه جرحى وحتى قتلى. يكون معظم الأحيان الخلاف سطحيا ولكن التقاليد المتوارثة تستخدم صيغة "الأنا" لإلغاء الآخر او للجمه كي "يقف عند حده". وكل تلك العمليات اليومية في معظم المناطق اللبنانية تأخذ ليس فقط من العشيرة منطقاً لها، بل من السلاح قوة اساسية، ومن الزعيم غطاء امنيا من النوع "الثقيل".

…على تقاسم مراع
وفي اليوم عينه تحصل العديد من الحوادث التي تحتم على متسببيها إطلاق نار متبادل على قضايا ممكن ان تحل بحكمة المنطق. فقد نشب خلاف بين رعاة من بلدة وآخرين من بلدة اخرى حول تقاسم المراعي، ما ادى الى تبادل النيران لساعات طويلة، وهذه المرّة لم تكن الحصيلة بشرية بل نفق نتيجة العراك عدد من رؤوس الماعز.

…على الميراث ايضاً
والمتعارف عليه انه للبناني عموماً حصة كبيرة مع الموت، فإن لم يمت بكارثة عالمية او حتى محلية، فيدخل نفسه بمشاكل ، فردية، سياسية، او اجتماعية، ناتجة عن الفقر والعوز، ليتخاصم الأشقاء من اجلها لسنين تكون النتيجة في نهاية المطاف إشهار الأخ مسدساً بوجه أخيه من أجل حصة اكبر من "الميراث".

السبب…24 ألفا
ففي 23 ايار قتل إيلي نعمان، وببرودة اعصاب ترجل القاتل من سيارته توقف أمام متجر القتيل لتصليح الدراجات الناريّة، واطلق النار ممطراً المحل بوابل من الرصاص. والسبب يعود الى تصليح الدراجة النارية والاختلاف تحديداً وقع على الكلفة التي لم تتخط الـ24 الف ليرة لبنانية. ولأسباب مادية ايضاً اطلق جورج نخلة فرنسيس النار على والد زوجته جرجس نجيب شحود ، فأرداه على الفور، ثم اطلق النار على نفسه، وما لبث ان فارق الحياة.
وغيرها من الإشكالات التي توصف بالفردية، منها ما يظهر الى الإعلام ومنها ما تسكت عنه السلطات كي لا يكلف الامر "مشكلا" فرديا آخر. وكل ما يتمناه المواطن اليوم هو الشعور بالأمان، والابتعاد عن كل المشاكل التي تحيطه، فلم يعد يعيش في بلد ديمقراطي، او حرية التعبير، فقد ساد القمع النفوس والعقول، وبات من المهم ان يكون في كل منزل قطعة سلاح تحمي من اي غدر أخوي.

لا للالتجاء للعنف
في السياق عينه تشير الاختصاصية النفسية سمر الحاج موسى الى انه في علم النفس تعود ثقافة الموت الى التربية، "لأن معظم الناس الذين يقتلون لا يكون لديهم الأنا الأعلى قويا، وهو شيء يتكون عند الولد من 3 الى 6 سنوات جراء تصرفات الأهل الذين يمنعونه عن الأشياء، كل شيء موانع وضوابط، قوانين وقيم". ولفتت الى ضرورة الالتجاء الى تربية غير متراخية وعدم التهاون مع الولد وإفهامه دائماً لماذا الأشياء ممنوعة عنه، وحثه على الحب والعاطفة وإعطائه كمية كبيرة من الحنان، وعدم تشجيعه على الالتجاء للعنف.
وشرحت ان اللبنانيين عموماً لا يعيرون للموت أهمية كبيرة، ولا يأخذون الأمر بجدية لأنهم لا يتعايشون مع الموت الدائم، لافتةً الى ان هناك مجموعات تربي اطفالها ومنذ الصغر على العدائية بحجة دينية، وعندما يكبر يشعر بأنه يفعل الصواب الذي تمليه عليه التعاليم الدينية التي رسخها أهله في عقله، بالرغم من ان كل الديانات السماوية ترفض العنف والقتل والتعذيب.
كما اعتبرت ان التربية لها تأثير عميق، "فمنذ الصغر نشتري للأولاد مسدسات والعابا عنفية بدل ان نعطيه كمية كبيرة من العاطفة والحنان للتخفيف من عدائيته. فأطفال اليوم يتربون على رؤية مشاكل فردية امامهم ما يشجعهم على ممارستها وبدم بارد".

الثقافة اللبنانية
على خلفيات سياسية ام عائلية تولد المشاكل وتتفاقم ليذهب ضحيتها افراد عانوا من ثقافة "لبنانية" تآكلت عقولهم وجعلتهم يصطادون وبسهولة فريستهم دون حسيب ولا رقيب في بعض الأحيان. ليكرسوا انفسهم افراداً ام مجموعة، بديلاً عن الدولة وعن القضاء، والقانون، وما يجعل من هكذا عمليات سهلة، انعدام المحاسبة، فيبقى المرتكب خانة محفوظة في ذاكرة النسيان، فتعلو روح الانتقام لأن بالعدالة والقانون لم يحفظ الحق، فيكون المبادر بالانتقام، فتسود شريعة الغاب وحرية الثأر.  

السابق
لماذا «التطنيش» عن كلام علّوش؟!
التالي
نصرالله: لو تعلم إسرائيل انني لا أجرؤ على المرور في حي المقداد