طهران: يبقى الأسد أو نخسر الحرب

خطير جداً، كلام الجنرال محسن رضائي بأن "المنطقة تشهد الشوط الأخير من المباراة التي ستحدد نتيجة المواجهة الحاصلة في سوريا". رضائي ليس مسؤولاً إيرانياً عادياً. فهو أبرز العسكريين الذين قادوا "الحرس الثوري" طوال 16 سنة وجعل منه جيشاً ومؤسسة لها حضورها الطاغي في قطاعات عسكرية واقتصادية ومن ثم سياسية عديدة، وهو أمين سر "مجلس تشخيص مصلحة النظام" الذي يرأسه هاشمي رفسنجاني، إضافة الى كونه مرشحاً سابقاً ولاحقاً عام 2013 لرئاسة الجمهورية.
بداية، التأكيد بأن سوريا تحوّلت الى "ملعب" لقوى خارجية ليس جديداً، لكنه يشكل اعترافاً من أحد "اللاعبين" الأساسيين وهو إيران، بهذا التحوّل. لم يعد للرئيس بشار الأسد، بحكم هذا التحوّل، حق القرار ولا حتى المشاركة في صياغة القرار، إنه منفذ مزايد عن وعي وتصميم بكل ما تبع ذلك من جرائم وتدمير شامل لسوريا.
الأخطر أن يأتي توصيف "المباراة النهائية" من الجنرال محسن رضائي، الذي ليس مسؤولاً إيرانياً عادياً. عندما يعترف "عسكري" بحجم رضائي بأن بلاده تخوض "المعركة الأخيرة" يعني الشعور العميق والمسبق بأن خسارة معركة سوريا تعني خسارة الحرب. ليس أصعب بالنسبة لجندي العيش في مربع الموت، لأنه وإن كان ينتج الاستشراس القاتل فإنه أيضاً يقود في وجهه الآخر الى اليأس.
إيران تعرف جيداً أن خسارة الأسد ونظامه هي خسارة استراتيجية كاملة. من المؤكد أنها ستنكفئ بعيداً داخل حدودها، خصوصاً وأن رضائي يعتبر "أن سوريا والعراق وأفغانستان وإيران تشكّل حزاماً من ذهب في الشرق الأوسط". سقوط إحدى الحلقات تعني تفكك هذا الحزام. من المؤكد أن سقوط الأسد سيشجع قوى عراقية عديدة ومهمة على إعلان معارضتها للنفوذ الإيراني. وواشنطن والعرب سيشجعون هذا التحوّل المكمّل استراتيجياً للخسارة السورية.
إيران تبذل وتعطي أكثر ما يمكنها لاستمرار الأسد الى الأبد مهما بلغت معاناة الشعب السوري وتعمّق الرفض العربي الشعبي والرسمي لسياستها.
لكن القيادة الإيرانية تعرف جيداً أن لدعمها مهما كان ضخماً حدوداً وسقفاً لا يمكنها مهما بالغت في استعراضات قوتها الصاروخية، كسره أو اختراقه. إيران لا يمكنها مدّ النظام الأسدي أكثر بالمال والخبراء. في وقت معيّن لا تعود هذه المساعدات كافية، لأن النظام الأسدي يتراجع والمعارضة تتقدم. إيران لا يمكنها التدخّل العسكري المباشر لنجدة حليفها. على قواتها العسكرية أن تخترق العراق والأردن تحت سماء مكشوفة تهيمن عليها إسرائيل. أيضاً لا يمكنها عبور تركيا فهذا من سابع المستحيلات لأنه يعني الحرب مع تركيا والحلف الأطلسي. ولا يمكنها استخدام الطيران الإيراني، لأن قوته محدودة ومن المستحيل أن تترك سماءها مكشوفة في وقت تدق فيه طبول الحرب الإسرائيلية الأميركية يومياً.
أكثر ما يوجع القيادة الإيرانية، أنها كانت تتأهّب وتعمل لإقامة "جبهة إسلامية محورها إيران"، نتيجة لما تسميه "الصحوة الإسلامية" في العالم العربي الذي يعني عملياً "الربيع العربي". سقوط النظام الأسدي وحتى غرق سوريا في "اللبننة" واستمرار الموقف الإيراني الداعم للأسد يعني خسارة كل مشاريعها كون سوريا تحوّلت من "جبهة" الى "ملعب"، ولأن كل يوم قتال في سوريا، يسحب من رصيدها الشعبي والإسلامي دفعة أكبر فأكبر.
مشكلة إيران الإضافية، أنها تعيش داخلياً على مفترق طرق خطير وحساس مليء بالاستحقاقات. العقوبات الاقتصادية تنهش النظام وتحدث تشققات اجتماعية تزداد عمقاً يومياً، وإذا كانت السلطة قد نجحت في وأد احتجاجات شعبية لأنها عرفت كيف تتعامل معها بعد أن طوّقتها، فإنها في الوقت نفسه دفعت شرائح واسعة من المعارضة للإنزلاق نحو التشدّد فرفض النظام، خصوصاً وأن معارضين بحجم مير حسين موسوي والشيخ مهدي كروبي اللذين لم يرفضا النظام وإنما أرادا إصلاحه وتطويره، اختفيا عن الأنظار والسمع بسبب التشدّد عليهما في الإقامة الجبرية.
ما زال في إيران أصوات عاقلة في قلب حالة "الزلازل" التي تعيشها. يقول هاشمي رفسنجاني "إذا تصرّفنا في شكل صحيح وبحكمة وأسبغنا ليونة على علاقاتنا مع العالم وانتهجنا سياسة انفراج بإمكاننا تخطي هذه المرحلة الحرجة". هل من يسمع في طهران صوت العقل أم أن العيش في مربع الخسارة يلغي العقل؟
 
 

السابق
لا تدخل عسكري أوروبي في سوريا
التالي
انتبه من الشاي المثلج