وجه آخر قدمته فرح العطاء مغاير لواقع جبل محسن وباب التبانة

مهما إزداد صوت الرصاص وازيزه وطلقات القناصة بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن، فللمبادرات التي تنادي بالسلام والمحبة والرجاء الفرصة الأوفر لكسب الجولة الأخيرة…
وإنطلاقاً من هذه المعادلة، تبقى جمعية "فرح العطاء" على أهبة الإستعداد للتصدي لسياسة الأمر الواقع من خلال مبادرات تحمي البشر والحجر ليبقى لبنان فسحة للعيش المشترك. وتحولت اليوم نشاطات الجمعية إلى أغصان زيتون تطوف البلدات والقرى والمدن لنشر ثقافة قبول الآخرالمختلف.
إذاً، المشهد يبدو مختلفاً من جانب الجمعية، فورشة إعادة هندسة سجن عاليه مستمرة، والمخيم في بلدة كفيفان (الشمال) جمع الأسبوع الماضي 54 ولداً بين 8 و13 عاماً من منطقتي جبل محسن وباب التبانة.
المخيم الذي أضحى تقليداً سنوياً لجمع شمل العائلة اللبنانية ولو لأيام معدودة هو مشروع إنمائي أبعد بكثير من مجرد نشاط ولقاء وتبادل أفكار لمدة محددة. فالجمعية تتابع عن كثب الواقع الدقيق في المنطقتين من خلال وجودها المستمر في كل منهما وتأمين مركز لها "يحضن" الجانبين لنشر مبدأ السلام والمحبة والعيش المشترك من خلال تنظيم نشاطات تثقيفية وتربوية داخل المركز لشبان وشابات من المنطقتين.

عكس السير
ورغم كل ما يجري في جبل محسن وباب التبانة اليوم، كنا شهود عيان الأسبوع الماضي لولادة جديدة لاولاد من المنطقتين جاؤوا إلى المخيم في بلدة كفيفان ليجددوا نداء الرجاء والمحبة في ما بينهم. فهؤلاء مجموعة تعيش التغيير الحقيقي مع الجمعية منذ أربعة أعوام ليكونوا في العمق رسل حق ومحبة أي رسل للبنان الحقيقي الذي نطمح إليه ونرغب في أن يرثه أولادنا.
ويقول مؤسس الجمعية ملحم خلف لـ"النهار"، أنه رغم الوجع الكبير في البلد وفي ظل إنسداد الأفق وإزدياد الوجع عند اللبنانيين، ثمة مكان آخر لحجر زاوية يشكل بما هو عليه بنى تحتية لأمل جديد يتجدد إنطلاقاً من حبنا للبنان وأهله…". وشرح عن المخيم قائلاً، أنه من قسمين الأول داخل المخيم وهدفه تحقيق أهداف الجمعية أي نشر مفهوم إحترام الذات والآخر أياً يكن، وهي نشر المحبة بين المشتركين وإدخال ثقافة التسامح إلى قلوبهم، وإحترام الأولاد بعضهم بعضاً عبر إحترام الذات اولاً ثم الآخر أياً يكن. أما القسم الثاني من البرنامج فيتكون وفقاً له من تعريف الأولاد على نشاطات خارجية ويتضمن زيارة إلى المناطق الأثرية.
بإختصار، مسك الطفل حسين طرابلسي (14 عاماً) من جبل محسن يد رفيقه حسن حموي (11عاماً) من باب التبانة ليشاركا لحظة بلحظة برنامج المخيم. كانت مهمة طرابلسي الإهتمام بالرفاق جميعهم على المائدة وتوفير ماء الشرب ولوازم الأكل،وبعض الخبز وما شابه، وذلك عند كل وجبة يومية. أحب طرابلسي جميع الرفاق ومنهم مؤمن حموي شقيق حسن الذي لم يتحدث معنا إلا عن مغارة جعيتا التي سحرته، ويقول: "زرنا مغارة جعيتا، ركبنا الزورق ودخلنا إلى المغارة السفلية. المغارة رائعة وحلوة كثير كثير".
أما الولد جعفر حمامه (12 عاماً) من جبل محسن فخرق حديثنا، ليشرح نشاطات المخيم ودور المتطوعين فيه الذين لعبوا معهم بفرح كبير. وقال: "نقسمنا خلال الأيام الأربعة إلى مجموعات وأطلقنا على كل منها أسماء مدن لبنانية، هي البترون، زحلة، بيروت، صور، كفيفان، جعيتا، جبيل…"، أضاف: "لعبنا كثيراً وشعرنا بسعادة عندما كان فريقنا يفوز في المسابقات". لكنه أصر على اننا كنا نختتم النهار بأغنية لفرح العطاء، نقول فيها بأننا نحن" فرح العطاء، جميعنا أخوة وأصدقاء جينا نعمر لبنان نبني السور وين ما كان…".
هذا كله لم يتحقق لولا همة المتطوعين في فرح العطاء. فغنى ناصر الدين (14 عاماً) اللبنانية الأصل والتي تعيش في فرنسا تشارك دورياً في نشاطات الجمعية. فهي كما قالت تهتم بمتابعة فروض الاولاد، وهذا بالنسبة اليها في غاية الأهمية. وماذا تغير عند الاولاد؟ تجيب: "أدركوا أهمية العمل ضمن المجموعات، تعلموا أدبيات السلوك والكلام وهذا مهم من أجل مستقبلهم". بدوره، يسارع المتطوع كريم طراف (15 عاماً) الذي يعيش في مدينة بعلبك وينخرط في صفوف المتطوعين في فرح العطاء الى الحديث، فيرى في العمل مع الجمعية فرصة للقاء وجوه جديدة وأنماط عيش جديدة. ويؤكد على أننا نتبادل المهمات لنتعرف على كل شيء".
ختاماً، تقول غبريلا كشا (16 عاماً) التي جاءت من الولايات المتحدة للعمل كمتطوعة في الجمعية أنها فرحت كثيراً بالعمل مع الأولاد ولمست لديهم رغبة واحدة وهي التوق إلى البسمة والفرح والسلام، فهل من يسمع؟".  

السابق
أسواق صيدا على وقع التهديد بقطع الطرق مجدداً
التالي
يوميات حرب أهلية