خطف مباشر

حين انتزع شقيق المخطوف اللبناني في سوريا من آل المقداد الميكروفون من يد الصحافية تراءى لي لوهلة أن البث سيتوقف أو أن المراسلة ستبادر إلى استعادة «سلاحها» وضبط ما تبقى من جنون لبناني ينقل على الهواء كما هو وعلى عواهنه. لكن الجنون استمر ولم تظهر أي محاولة احتواء لا من المراسلة ولا من القناة التي واصلت بثها المباشر لمشهد مثير في مؤتمر
صحافي أكثر إثارة وغرابة لأفراد من عشيرة لبنانية، قالت لنا إنها خطفت في وضح النهار

وبكامل سلاحها سوريين وتركيا في لبنان، وتهدد بخطف المزيد وسوقهم أمامنا لنراهم مباشرة على الهواء في لحظة عجز جديدة للدولة اللبنانية.. قبض الرجل المستند إلى حظوة ما على الميكروفون وأطلق العنان لتهديدات وشتائم لم توفر مسؤولين ودولا وتنظيمات وأحزابا، قبل أن

يعاود من يفترض أنه «عاقل» من عقلاء العشيرة ليخاطبنا من على الميكرفون نفسه بأن
«العشيرة» حصرت التهديدات بجنسيات وأعفت منها جنسيات أخرى، من دون أن يرف له جفن لمبدأ الخطف نفسه، ودون أن يشعر بأي قلق جراء ظهوره المباشر وإعلانه الصريح أن «جناحا عسكريا» في عشيرته خطف وسيخطف أناسا آخرين توافق على تسميتهم «ضيوفا».

«ضيوف». إنها تلك التسمية التي أطلقها خاطفو اللبنانيين الأحد عشر في سوريا، وسرعان ما
اقتبستها تلك المجموعة اللبنانية معيدة إلى أذهاننا وأذهان العالم سيرة مريرة من الخطف حدثت في لبنان خلال الحرب اللبنانية طالت لبنانيين وفلسطينيين، ومورست بحق «ضيوف» غربيين في الثمانينات..
على مدى أيام لا يبدو أنها انتهت، ذهل لبنانيون وعرب، وكل من صادف أن شاهد ما بثته
قنوات لبنانية من مؤتمرات صحافية وتحركات ميدانية و«أجنحة عسكرية» واستجوابات لخاطفين
يتخايلون بأسلحتهم وأقنعتهم أمام الإعلام، ويتلاعبون به كما يرغبون، ولمخطوفين سلبوا حريتهم وحتى قدرتهم على رفض هذا الظهور المذل لهم على الشاشات.
ساهم مراسلون ومراسلات في تحويل مشهد المخطوفين إلى سبق صحافي رخيص ساقط مهنيا

وإنسانيا. لكن الجديد في قضية مخطوفي اليوم هو البث المباشر، ذاك أن المرء يشعر أن إحدى وظائف الخطف الرئيسية هي البث المباشر، وهنا تدخل الكاميرا مرة جديدة في عملية صناعة المشهد، وبالتالي صناعة الخطف. ألم نتساءل قبل سنوات قليلة عن وظيفة الكاميرا في العراق في نقل مشاهد الذبح التي كانت تنفذها «القاعدة» وتبثها في وجوهنا..
أن يقال إنه لا خطف من دون كاميرا فهذا يعني أن الكاميرا ساهمت في الخطف، وعندما يتم

ابتذالها على نحو ما فعل مراسلون ومراسلات لبنانيون ساهموا في «استجواب» المخطوفين،
وفي زجرهم أحيانا على الهواء، فإن الفريق الذي يحيط بالكاميرا لم يبد حساسية ولا رغبة
في التخفيف من مهمتهم المتمثلة هنا في خدمة الخاطف.
إنها واحدة من لحظات ابتذال كثيرة عاشها ويعيشها الإعلام في بلادنا.
  

السابق
رأس الأسد طُرِح على طاولة الصفقات؟ ولكن؟
التالي
هل تتلقَّف الحكومة نداء بري؟