السفير: طرابلس ـ الضحية: الجيش ينتزع المبادرة من السياسيين

بقيت جبهة طرابلس متأرجحة بين مَدّ العنف وجَزر التهدئة الهشة، من دون ان تتمكن، حتى الآن، كل المظلات السياسية المفترضة، واتفاقات وقف النار، من إطفاء الجمر الذي يظهر تارة فوق الرماد، ويختبئ طوراً تحته، الأمر الذي لا يحتمل سوى تفسير من اثنين، فإما ان الشارع أفلت من السيطرة و"الجاذبية"، وباتت له ديناميته الخاصة التي يتحكم بها أمراء الأزقة والأحياء، وهذا هو الارجح، وإما ان القوى السياسية الشمالية، "صاحبة المونة،" ليست جادة في إيجاد معالجة جذرية للوضع المهترئ، وبالتالي لا تريد "تسييل" نفوذها عملياً.
وفي موقف لافت للانتباه يعكس البعد الخارجي لأحداث عاصمة الشمال، قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة جيفري فيلتمان، أمام اجتماع لمجلس الأمن حول الشرق الأوسط، إن الاشتباكات الدموية التي يشهدها لبنان بين أنصار النظام السوري ومعارضيه، سلطت الضوء على ضرورة القيام بتحرك دولي.
ونبه فيلتمان الى انه "مع استمرار تدهور الأزمة في سوريا، فإن الوضع في لبنان أصبح أكثر خطورة، وأصبح تقديم الدعم الدولي المستمر لحكومة لبنان وقواته المسلحة يزداد أهمية"، مشيراً الى ان "التوترات التي سببتها المخاوف الداخلية والأمنية ما تزال مرتفعة في هذا البلد، ويمكن أن تتفاقم بسهولة بفعل التطورات في سوريا". ورأى أن "تهريب الأسلحة بين سوريا ولبنان مثير للقلق".
واعتبر فيلتمان أن اعتقال الوزير السابق ميشال سماحة، بتهمة ضلوعه في عمليات تهريب متفجرات من سوريا إلى لبنان "عمّق المخاوف من محاولات لجر لبنان إلى التوترات الإقليمية". وأشار الى ان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون اجرى مؤخراً محادثات مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي حول الازمة، "وما يزال يركز على حماية استقرار لبنان وسيادته " .
وفي سياق متصل، اعرب الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الفرنسية عن قلقه من تدهور الحالة في طرابلس، وحذر من "إقحام لبنان في صراع لا علاقة له به".

طرابلس: الجيش يبادر
وفي كل الحالات، فإن اتفاق وقف إطلاق النار الجديد الذي دخل حيز التطبيق مساء أمس في طرابلس، يشكل اختباراً جديداً لمصداقية الأطراف السياسية، ولمدى التزام المجموعات المسلحة بالتهدئة، بعدما حصدت الاشتباكات النهارية المتقطعة المزيد من الضحايا، علماً أن البيان الصادر عن قيادة الجيش أمس، كان لافتاً للانتباه بمضمونه الذي تضمن رسائل واضحة الى السياسيين، موحياً بأن المؤسسة العسكرية قررت انتزاع المبادرة منهم، بعدما ثبت بالتجربة الحسية عجزهم أو تواطؤهم مع المجموعات المسلحة، فكان لا بد للجيش من ان يوسّع مهامه ويجتهد في صلاحياته، بما يتجاوز العمل الميداني المحض، الى معالجة أسباب التوتر وجذوره الضاربة في عمق جبل محسن وباب التبانة.

وجاء في البيان ان قوى الجيش تتعاطى مع الوضع بحكمة وتبصر لمنع تحويل المدينة إلى ساحة للفتنة الإقليمية، داعية القيادات السياسية إلى عدم التدخل في ما يحصل ميدانياً على أرض المدينة، وعدم المساهمة في إذكاء الخلافات. وأعلنت قيادة الجيش عن مبادرتها إلى إجراء حوار مباشر مع القيادات الميدانية المسؤولة في المدينة، وخصوصاً في باب التبانة وجبل محسن، من أجل وأد الفتنة ونزع فتيل التفجير، مع تأكيد حسمها في ضبط الوضع.

وتحت هذا السقف، عمد الجيش الى تفعيل انتشاره على محاور القتال وفي الشوارع الرئيسية ضمن المناطق الساخنة، بهدف فرض الهدوء بالقوة، والتعاطي بحزم مع المجموعات المسلحة غير المنضبطة، التي عبثت باتفاق وقف إطلاق النار أمس الاول، وسعت الى إجهاضه أمس، مع الإشارة الى ان الجيش يحاول المزج بين الحزم والحكمة في التعامل مع الواقع الأمني المعقد، بما يعيد، من جهة، الاستقرار الى المدينة ويصون هيبة المؤسسة العسكرية، ويمنع، من جهة أخرى، استدراج الجيش الى معارك جانبية مع أبناء باب التبانة وجبل محسن قد تكون مدخلاً الى الفتنة.

وقالت مصادر عسكرية رفيعة لـنا إن الجيش يتصرف بمسؤولية عالية تجمع بين الشدة حيث يجب، والمرونة حيث يجب، لافتة الانتباه الى أن عمله على الارض يشبه عمل الجراح الذي يستخدم مبضعه لإزالة مكمن الخلل، او المرض، بشكل دقيق، حتى ينقذ المريض، وبالتالي فإن الجيش يستخدم القوة الموضعية خلال تحركه في طرابلس لملاحقة مطلقي النار، ويتجنب القوة المفرطة التي تُستعمل فقط في مواجهة العدو.
وأكدت المصادر العسكرية ان مهمة الجيش هي الوقوف الى جانب الأكثرية الطرابلسية، التي تريد الاستقرار ضد الأقلية التي تســتفيد من الشــغب، مرجحة ان ينجح الجيش في إعادة الهدوء الى عاصمة الشمال، لأنه يلــقى كل دعم وتأييد من البيئة الشعبية الحاضنة.
وكان قد عقد في مكتب قائد الجيش العماد جان قهوجي في وزارة الدفاع أمس، اجتماع ضم قادة الأجهزة الأمنية في إطار التنسيق المشترك بين الجيش وبينها لمواكبة الأوضاع الراهنة.
 

السابق
الأخبار: الجيش يجمع القيادات الميدانية بعيداً من السياسيين
التالي
النهار: حرب استنزاف من طرابلس إلى الحدود فيلتمان يستنفر الدعم الدولي للبنان