يا شيعة العرب

أواخر سنة 1978 سافرت إلى طهران ومدن إيرانية أخرى، في مهمة استخبارات، وكانت المظاهرات تعم المدن الإيرانية، والحكومات المتعاقبة بقيادات مدنية وعسكرية لا تعرف غير التخبط. فالثوريون اليساريون كانوا يحركون الشارع في خضم موجة الخطاب الديني. وفي ساعات توقف الاحتجاجات تخف الحركة في الشوارع لتصبح أشبه بحافات القتال الأمامية في ساعات الهدوء، وكل شيء يدل على أن حدثا كبيرا سيقع في يوم قريب. وقبل أسابيع أعدت ذكريات تلك الأيام مع مدير الاستخبارات العراقية وقتئذ، حيث كانت الصورة مشوشة أمام القيادة، وكنا نحن الجهة الوحيدة التي أكدت على أن مصير الصراع أصبح محسوما لصالح الثورة.
وعندما أقيس عوامل استنتاج تقييم الاستخبارات لتلك المرحلة الإيرانية، أراها لا تساوي شيئا مهما، مقابل عوامل الجزم بسقوط بشار. والفرق بين الحالتين هو أن الشاه لم يستخدم القوة المفرطة ضد حركة الاحتجاجات الشعبية، ومن لديه صورة واحدة عن بيت «واحد» جرى تدميره، أو طفل قد قتل، أو امرأة اغتصبت، فلينشرها. فهل تقبل الديانات والمذاهب ما يحدث من إبادة جماعية في سوريا؟ وإذا كان الحكم في سوريا علويا «وهو كذلك»، فإن نسبة الطائفة لا تتجاوز 12 في المائة من الأمة السورية، فبأي منطق يمكن تبرير مواصلة تحكم حفنة صغيرة منها في مصير الأمة؟ وبما أن الأغلبية الساحقة قررت التحرك، فمن حقها أن تقود لتصحيح المسار. وأكاد أرى روح جدنا الحسن، وعلي والحسين وعمر وخالد.. تقاتل مع الثوار.
كان نظام القذافي أول من جهز إيران بصواريخ بعيدة المدى أوجدت حالة بسيطة من التوازن مقابل الصواريخ العراقية. وفي وقته كان يساند بعض المقاومين العراقيين، كما ذكروا. وعندما وصل الثوار الليبيون إلى الحكم لم يتخذوا موقفا سلبيا واحدا من الحكم في العراق، على الرغم من أن الثوريين من الإسلاميين – وكلهم سنة – ليسوا بعيدين عن مواقع التأثير. إلا أن التقارير تشير إلى مساندتهم للثورة السورية، وأظنهم كذلك. فعلام المبالغة في الهواجس الأمنية لو سقط الحكم العلوي في سوريا؟
بعد هذا الخراب، الذي لم يسبق حدوثه إلا بوحشية جيوش هتلر والجيش الأحمر، ستكون الأمة السورية في حاجة ملحة لمشروع مارشال خليجي، لإعادة بناء ما دمرته الحفنة الحاكمة، وللبحث عن عشرات آلاف المفقودين، وليس لتصدير الثورة، أو لشن حرب أترك تسميتها لهوى غيري. لذلك، لا مبرر للقلق، إن كان القلق هو الدافع إلى اتخاذ موقف غير داعم للثورة من قبل «طرف» شيعي عراقي، وداعم للقمع من قبل طرف شيعي إيراني ولبناني. ولست على قناعة بما يقال عن تدفق آلاف المسلحين من العراق أو عبر حدوده إلى سوريا لمساندة بشار. فالمناطق الحدودية مكشوفة كشاشة فضائية، ويستحيل دفع مثل هذه الأعداد بكتمان، فضلا عن أن الثوار يسيطرون على المنطقة الشرقية السورية بقدرة متصاعدة.
ويفترض أن تتساءل الدول عن جدوى الوقوف إلى جانب بشار، وكل الدلائل تشير إلى حالة الانحدار والتآكل المستمرين في هياكل نظامه. وهل ينتظر منه اضطراب أكثر مما ظهر عليه في صلاة العيد؟ ولولا التعليقات الطائفية، لأشرت إلى مقطع سابق يظهر الفوضى في صلاة بشار وزعماء شبيحته، فكلما أردت أن أخفف عن نفسي أعيد مشاهدة المقطع المثير للضحك، وشر البلية ما يضحك. فهل يعقل أن تربط دولة مستقبل علاقاتها بنظام ساقط لا محالة، بعد أن خرق كل القيم بعمليات قمع كشفت عن وجه كالح من الإجرام؟
وإذا كان الحزب الشيعي في لبنان متورطا في ربط مصيره بمصير بشار، وإذا كانت لإيران قراءات أخرى لم تستوعب حتمية سقوط هذا النظام، فإن الوضع العراقي مختلف، وليس من المصلحة الوقوف ضد الثورة، لأنها على الأقل منتصرة، حتى لو أصيب الثوار بكبوات. فقد أجمع الغرب – على الرغم من التخاذل الأميركي – على نصرة الثورة، وبدأ المال العربي يصل إلى حيث ينبغي أن يصل ميدانيا لشباب الثورة، وبدأت معادلات التسلح تتغير نسبيا. فهل تفاجئ بغداد العالم بموقف مساند لثورة الأحرار؟
أما المواقف «المخزية» و«المتخاذلة»
  

السابق
ريان سلام: أحقق أحلامي
التالي
بنطال مزود بجهاز تكييف