الناس السريون

سيُجرى واحد من أكثر المراسم اختلافا وربما غرابة ايضا في مطلع ايلول في بلاط رئيس الدولة في القدس. سيستضيف شمعون بيرس فوق العشب الرئاسي كل "مجهولي" جهاز الامن الكبار وآنئذ سيخطو خطوة شاذة في المشهد السياسي والاعلامي اليوم: فسيطلب الموجه من المصورين ان يدعوا آلات تصويرهم وألا يصوروا الفائزين بجائزة أمن اسرائيل. سيأتون على هيئة مجهولين الى بيت الرئيس في القدس ويخرجون منه مجهولين كما كانوا طوال سنين أو عشرات السنين احيانا.
سيكون بين حضور المراسم ايضا، وكلهم من ناس الامن في الماضي والحاضر، كثيرون لن تعني لهم أسماء الفائزين شيئا. وتفسيرات فوزهم مضحكة حقا كأن يُقال مثلا، "ترأس فريق تطوير وسائل القتال التي امتُحنت في امتحانات صعبة وأفضت الى نتائج ايجابية في ميدان الامن". من؟ وماذا؟ ولماذا؟ وكم؟ وما الذي قصد اليه الشاعر حينما قال "فريق تطوير" وما الذي يختفي وراء كلمتي "وسائل القتال" وأين بربكم أجدت "وسائل القتال" هذه على جهاز الامن؟.
سيكون للمشاركين في هذه المراسم فرصة لينظروا الى ذوي الرتب المختلفة من الرجال والنساء – لكن من هم الذين يجلسون دائما في الصف الاول، في ابتهاج شديد للجائزة التي لا يكفي المبلغ الذي يصحبها سوى لبضع زجاجات جعة؟ يصافح الناس السريون من الصف الاول الذين يصعدون الى المنصة سريعا، يصافحون الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الدفاع والمدير العام لوزارة الدفاع، سريعا وينزلون سريعا عن المنصة – فهم "الكنز الطبيعي" الأهم لدولة اسرائيل.
اذا كنا ننام في هدوء في الليل فذاك بفضلهم ايضا. واذا انتصرنا في الحروب القادمة فسيكون لهم نصيب مهم من النصر. وهم بلا مبالغة عباقرة تستخلص أذهانهم المحمومة تلك الافكار العملياتية التي تصنع الفرق الكبير بين الهزيمة في الحرب والنصر. فهم في مرات كثيرة ينتجون وسائل قتالية تضاد قوانين الطبيعة، وقد كُشف عن بعض مشاريعهم فقط للجمهور مثل "القبة الحديدية".
ينظرون اليهم في المراسم ويدلكون أعينهم: ففيهم حريديون تُقاة، وآتون من الكيبوتس علمانيون، وبالغون وشباب ونساء ورجال ومصوتون لحزب العمل وكديما والليكود واسرائيل بيتنا. وهم ناس يعملون احيانا على مدار الساعة ليجدوا حلولا فورية لمشكلات صعبة ولا ينظرون هم أنفسهم في الساعة ويعودون الى بيوتهم في الهزيع الأخير من الليل ولا يعودون ايضا في مرات كثيرة، وهم يأتون من رفائيل ومن شعبة الاستخبارات العسكرية ومن الموساد ومن شعبة التنصت ومن اماكن اخرى تتحدث في داخلها خلايا رمادية في الذهن تتحدث. ربما لا يطلقون النار لكن طلقات أدمغتهم تستحق الجوائز والشكر الكثير.
ويستحق الشكر ايضا من يُدع الى المراسم كما يبدو عن خطأ أو نية فاسدة، أعني عمير بيرتس. فقد كان هذا الرجل هو وزير الدفاع الذي كان يُرى مدنيا لا يفهم شيئا وكأن العقل قُسم على الجنرالات فقط. وقد اخطأ عمير بيرتس لكنه كان باعتباره مدنيا "لا يفهم شيئا" كان هو الرجل الذي بت الامر مؤيدا بناء "القبة الحديدية"، وانشأ سلطة الطواريء الوطنية، وكان أول من ثبت عينيه بالصور التي جاءت من مواقع حساسة. ويجب ان يُنسب اليه فضل الهجوم على الصواريخ البعيدة المدى التي كانت في لبنان مخالفا بذلك مخالفة مطلقة رأي ضباط كبار في الجيش الاسرائيلي من اولئك الذين يعرفون كل شيء.
يبدو ان عمير بيرتس الذي لم يُدع، لن يحضر المراسم، لكنه يستحق ايضا بضع كلمات حسنة في يوم جوائز كهذا.
ولقد قال في مثل هذه الحادثة قبل سنين طويلة شاعرنا القومي: "لمن الشكر ولمن المباركة؟" – للناس السريين الذين سيظلون سريين.  

السابق
لقاء سعودي – ايراني: مصلحة لحظية قبيل التصعيد؟
التالي
اليهودي الطيب يكره العرب