الاسد ضحية حسمه وطرابلس آخر خرطوشه  

مع انتقال المواجهة في سورية الى مرحلة جديدة وحاسمة بين النظام والثوار على اختلاف تعبيراتهم المدنية والعسكرية والاجتماعية، يرجح ان يشهد لبنان استنفاد ما تبقى من نفوذ النظام سوري عبر اظهار قدرة هذا النظام على التفجير واستدراج خصومه من اللبنانيين نحو مزيد من المواجهات المستميتة خصوصا تلك القوى التي تدرك ان سقوط نظام الاسد يعني نهاية وجودها سياسيا وعسكريا. لذا يمكن فهم سهولة تجاوز بعض هذه القوى، اخلاقيا وسياسيا، سقوط ميشال سماحة، ولسان حالهم: اذا خسرنا سماحة فلدينا مئة سماحة.
المرحلة المقبلة تتجه نحو الحسم في سورية. حسمٌ مقلوبٌ، الأسدُ فيه محسومٌ وليس حاسما، وذلك في خطوات متتابعة ستشهدها الاشهر القليلة المقبلة. أولى الخطوات هي إعلان الحكومة الانتقالية الموسعة الجاري الاعداد لتشكيلها من الجيش الحر والتنسيقيات وقوى المعارضة، وهي الحكومة التي تقدر اوساط اقليمية ان تحظى باعتراف 130 دولة على الاقل، وصولا الى اعلان فرض الحظر الجوي على الطيران الحربي السوري مع اعلان المنطقة العازلة او الآمنة تحت سيطرة الجيش الحر وقوى المعارضة.
هذه الخطوات التي بات النظام السوري يراها بأم عينيه، تترافق مع قتال مستميت من قبل كتائبه يتوقع الكثيرون من المراقبين الا يتوقف. بل ثمة توقع لاطراد عمليات قتل جماعية في سورية بات النظام متخففا من ارتكابها لتوريط اكبر قدر من الفئات الامنية والعسكرية والاجتماعية في معركته، وهو بالتالي لن يتوقف عن دفع مؤيديه في لبنان وفي المخيمات الفلسطينية والزامهم بالانخراط في معركة وجودية له ولهم.
من هنا مشهد طرابلس الدموي الاخير ليس عابرا، بل ثمة محاولة لاستكمال هذه السكة الامنية والعسكرية بسكة سياسية ترتكز في الدرجة الاولى على من يعتقد النظام السوري انه ينتظر منهم ردّ الجميل، اذ لا يمكن الاستهانة بالضغوط التي يتعرض لها العماد ميشال عون من قبل النظام السوري على هذا الصعيد. فهو مطالب بأن يثبت السكة السياسية في موازاة الامنية ليسلك قطار الفتنة، ويأتي مطلب الذود عن الوزير السابق ميشال سماحة المدخل الذي يجب على العماد ميشال عون مباشرته.
في المقابل لا يبدو ان على الضفة الاخرى وفي الميدان المقابل ما يكفي من الحصانة لمنع استكمال ما بدأه الوزير السابق ميشال سماحة بحسب الاتهامات الموجهة اليه وما تم تسريبه ونشره من تحقيقات امنية وقضائية. اذ ان الحسابات السياسية الضيقة على الساحة الطرابلسية والسنّية منها تحديدا، فتحت شهية العديد من المجموعات السلفية للدخول على خط المبادرة وادارة المواجهة. وليس خافيا على المتابعين لهذه المجموعات، التي لا تنتظم بطبيعتها في بنية هرمية، انها قابلة لأن تتقاطع مع اتجاهات متناقضة في الوقت نفسه بمعنى ان بعض هذه المجموعات كان على صلة وثيقة بالاجهزة السورية، ولا يمنع ذلك بتاتا ان يتلازم مع هذه الصلة علاقات وثيقة مع دول معادية للنظام السوري.
خطورة بعض هذه المجموعات انها -بوعي او بجهل- تساهم في منع نضوج خيار طرابلسي بالدرجة الاولى يتمثل في الالتفاف حول الجيش. وهو خيار تعبر عنه الدعوات المدنية والسياسية لجعل طرابلس مدينة خالية من السلاح. فيما تقابله محاولات استخبارية من كلا الطرفين، وقد يكون مصدرها واحداً لإطلاق دعوات الاستئصال والحسم العسكري بين ابناء المدينة الواحدة.
افشال دور الجيش في طرابلس هو مطلب النظام السوري اليوم، فمع لفظ انفاسه الاخيرة يشعل طرابلس ظنا منه ان تفجير لبنان قد يكون القشة التي تنقذه من الغرق. وما يجري في باب التبانة وجبل محسن يواكبه جهد فتنوي في المخيمات الفلسطينية. جهد لحسن حظ اللبنانيين والفلسطينيين لم يؤدّ مبتغاه حتى الآن. فمحاولة زجّ المخيمات يلجمها مستوى عال من الضغط الشعبي في هذه المخيمات ضد من يفتح النار على الجيش اللبناني، لذا تبدو المراهنة على تكرار تجربة مخيم نهر البارد خاسرة.
المحاولات السورية مستميتة لتفجير الوضع الداخلي اللبناني، والاستجابات ما تزال محدودة ومرشحة للضمور والتراجع ما دام حزب الله غير منخرط في حروب خطرة قد تغرقه في رمالها القاتلة… وبلا طائل.

 

السابق
إشكالية انجيلية النبطية تهدد مصير العام الدراسي الاهالي والطلاب يواصلون اعتصامهم
التالي
الشيخ الطفيلي: هنالك “بَطَر شيعي” ومن خطف إبن المقداد ليس المعارضة السورية