من الدولة الشكلية إلى انحلال الدولة

لا يستطيع "حزب الله" ان ينكر تمثيله وحركة "امل" الغالبية الساحقة من الطائفة الشيعية في لبنان. ولا يستطيع أخصامه إنكار انهما استحقا هذا التمثيل لأسباب عدة منها ان "الحزب" حرر الاراضي التي احتلتها اسرائيل في لبنان منذ عام 1978 والتي تقطنها غالبية شيعية. ومنها أيضاً انه أشعر الشيعة بقوتهم وأعاد لهم ثقة بالنفس كانت تضعضعت جراء الحرمان الذي عاشوه طويلاً. ومنها ثالثاً انه اعطاهم الأمل في التحوّل الرقم الصعب في لبنان بسبب ديموغرافيتهم المتوسعة وتعسكرهم. ومنها رابعاً ان “الحركة” ومن طريق رئيسها نبيه بري فتحت لهم أبواب الدولة بكل اداراتها والمؤسسات. وهي كانت شبه موصدة امامهم في السابق. ومنها خامساً الدور الذي قامت به سوريا آل الاسد في إحتضان “أمل” ورعايتها واحتوائها، والدور الذي قامت به الجمهورية الاسلامية الايرانية في تأسيس “الحزب” واعتباره جزءاً منها، والدور الذي أوكلته الاثنتان الى قطبي الزعامة الشيعية. والدوران ما كانا لينجحا لولا ايكال المجتمع الدولي – العربي مهمة ضبط لبنان وفلسطينييه ونقله من الحرب الى السلم الى سوريا الاسد، ولولا نجاح ايران الاسلامية في جعل علاقتها مع سوريا عضوية وفي تحويلها حلفاً اقليمياً ودولياً يشكل شيعة لبنان ونظام الأسد رأس الحربة فيه.

انطلاقاً من ذلك لا يستطيع اي لبناني ان يُصدِّق ان لا علاقة لـ”الحزب” بما يجري على الساحة الشيعية من احداث تؤثر على البلاد، وخصوصاً منذ بدء الاحتجاجات “الشعبية المستقلة” على غياب الخدمات الاجتماعية، ومنذ اختطاف “الجيش السوري الحر” 11 مواطناً شيعياً في سوريا، وعدم نجاح تركيا أو عدم رغبتها في اطلاقهم رغم كونهم على حدودها ورغم مونتها على الخاطفين، وأخيراً منذ “انفلات” موجة الخطف بين شيعة لبنان الموالين لنظام الاسد والثوار السوريين عليه. وهم سنّة في غالبيتهم. طبعاً لم يتنكَّر “حزب الله” لقضية المخطوفين ولا يزال يسعى لاطلاقهم. لكنه بذل جهوداً بعد الخطف مباشرة لتهدئة أهاليهم، وحال أكثر من مرة دون قطعهم طريق المطار، او فَتحَهَا بعد قطعِها. إلا ان ما حصل قبل يومين، علماً ان طلائعه ظهرت قبل فترة، يثير الشك والحيرة. فللمرة الأولى تتحرك العشائر الشيعية ربما بغطاء من “الحزب”، أو بغض نظر جراء عدم قدرته او عدم رغبته في استفزازها، وهي عماد جمهوره الشعبي والمقاوم. وللمرة الاولى يكتشف اللبنانيون ان لكل عشيرة “جناحها العسكري”. ويدفعهم ذلك الى التساؤل اذا كان لـ”حزب الله” مصلحة في تفريخ كيانات عسكرية سياسية مستقلة عنه أو شبه مستقلة، أو اذا كان مضطراً لقبول التفريخ لأنه لا يستطيع ان يقوم بنفسه بأعمال توقعه في حرب مذهبية قال دائماً ولا يزال يقول انه يرفضها. طبعاً لا احد يمتلك أجوبة عن تساؤل كهذا أو عن أسئلة أكثر صراحة مثل: هل “الحزب” يقود الحركات الاحتجاجية على “ظلم” الداخل اللبناني والشقيق “المختلف” عنه؟ لكن ما تجدر الاشارة اليه هو انه في غياب المقاومة الفعلية وفي ظل تحوّل لبنان “حارة كل مين ايدو إلو” والمنطقة بركاناً متعدد الفوهات، يعرف “الحزب” انه لا يستطيع ضبط جمهوره غير المنظم ونسبياً جمهوره المنظم (فساد واختراقات واتجار بمواد ممنوعة…)، وانه في حاجة الى دولة تتصدى للانحرافات لأن تصديه هو لها يوقع الطائفة في حرب داخلية ويضعف الحزب.

ولهذا السبب كان يطلب من “الدولة” دخول مناطقه ومنها الضاحية. لكنه نسي، ولا نقول تناسى، ان الدولة إما تدخل أو لا تدخل. إذ ليس هناك نصف دخول. وما حصل كان ربع دخول، ففشلت الدولة، وتجرأ المطلوب وقف ممارساتهم. وقد يصلون يوماً، إذا لم يكونوا وصلوا الى التجرؤ على الحزب. لذلك كله على “حزب الله” اتخاذ قرار مهم وجريء لم يعد مفيداً ارجاؤه يجيب عن اسئلة مثل: هل هو مع قيام دولة ام لا؟ وهل يتناقض مشروعه مع قيام دولة؟ كما عليه هو الذي يحاول جاهداً عدم الانجرار الى حرب مذهبية مع تمسكه بمشروعه الذي هو في جانب منه مذهبي، كما مشروعات اخصامه، عليه ان يعرف ان المتطرفين و”المتشددين” من اخصامه يحاولون استدراجه الى حرب كهذه، وان اعداءه في الخارج يقومون بالمحاولة نفسها. وربما بدأ بعض ممثلي الاعتدال عندهم سلوك النهج نفسه. فذلك وحده ينهيه كما أنهى منذ نحو ثلاثة عقود الراحل ياسر عرفات ومنظمته في لبنان وبسببه في المنطقة اي انهاك بحرب داخلية ثم حرب اسرائيلية. لكن على هؤلاء الاخصام ان يدركوا انهم باستدراجهم هذا يدمرون لبنان وينهون الوطن والكيان والدولة. علماً ان الآخرين اي “الحزب” وحلفاءه غير مقصرين في هذا المجال.  

السابق
التأمّل يخفّف الشّعور بالوحدة
التالي
كي لا يتطوّر الوعي: دعهم ينفّسون احتقانهم